تونس “داخلة في حيط”.. هكذا يعرف التونسيون الوضع

لو كنت تتجول في المدن التونسية، ستلاحظ وجوهاً عابسة قاتمة ومتخوفة، التونسي أصبح مدمناً لا على القهوة ولا على البيتزا ولا على المعجنات، كما نقرأ في الصحف الصفراء، التونسيون اليوم أصبحوا يتعاطون الاكتئاب قبل الأكل وبعد الأكل، قبل النوم وعند الاستيقاظ،

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/12 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/12 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

هكذا يعرف الشباب التونسي الوضع العام بالبلاد التونسية حتى بعد مرور 6 سنوات كاملة من اندلاع الثورة في تونس الخضراء، تونس التي طالما كانت أرض الثورات والتمرد ضد حكام البلاد، فهذه العبارة كفيلة بترجمة درجة اليأس داخل ذوات التونسيين كافة والشباب منهم خاصة.

لا جديد يذكر ولا قديم يعاد

"ما فما شي تبدل البلاد كيما هي وحتى شي ما تغير"، الكثير من السلبية ولا أمل لدى شباب كان في سنوات قليلة قد خلت، المثل الأعلى لدى شعوب المنطقة والعالم قاطبة في الثورية والحراك السلمي، شباب تونس الذي قدم الدروس والعِبر لكل الشعوب العربية خاصة في الإصرار والذكاء الثوري الذي جنَّب البلاد الدخول في نفق العنف والاقتتال الداخلي، لكن هذا الإصرار والدهاء وكأنه توقف وانهار مع خيبات متتالية، مع تلك الحالة من الركود والجمود الفكري والسياسي وخاصة الاقتصادي.

فالدافع الأول والأخير بالنسبة للشباب التونسي ليس تغيير النظام ورموزه بالأساس بقدر ما هو دافع اقتصادي تشغيلي، أفي هذا وعي من الشباب بأن السياسة هي سياسة مهما كان الحاكم شريفاً أم أن التونسي استسهل الأمور وقزم الثورة في مطالب مادية، فلا الحاكم أصبح شريفاً ولا الاقتصاد تحسَّن!

"شباب فادد ما عاجبو حتى شي" لو كنت تتجول في المدن التونسية، ستلاحظ وجوهاً عابسة قاتمة ومتخوفة، التونسي أصبح مدمناً لا على القهوة ولا على البيتزا ولا على المعجنات، كما نقرأ في الصحف الصفراء، التونسيون اليوم أصبحوا يتعاطون الاكتئاب قبل الأكل وبعد الأكل، قبل النوم وعند الاستيقاظ، حتى عند تصفحّنا لمواقع التواصل الاجتماعي والغوص في حسابات التونسيين، سنرى القتامة والكوميديا السوداء والسخرية من الوضع العام والسلبية المزمنة، فحتى رغم كل المحاولات من السلطة وكل الرسائل من المسؤولين التونسيين ومن الفاعلين في المجتمع التونسي لم تنفع التونسي، شيباً وشباباً "من الصغير حتاكش للي يدبي على الحصير"، الجميع هنا متشائم، فالخيبات المتتالية بعد الثورة التونسية كانت بمثابة رصاص الرحمة، جدل سياسي متواصل وعقيم وصراعات وهمية على السلطة والنفوذ في بلد يوصف بأنه صاحب التجربة السلمية الوحيدة في مسار التغيير العربي، اقتصاد سلحفاتي يحقق بقدرة قادر نسبة الصفر فاصل من النمو سنوياً.

أضف إلى ذلك ما حصل للصورة العامة لتونس، بعد العديد من العمليات الإرهابية في أوروبا، فالجميع هنا أصبح يدعو الله فور سماعه بحدوث عمل إرهابي أن لا يكون المنفذ تونسياً ولا حتى الضحية من تونس، فنحن شعب طالما عرف عنا السلام، وخير دليل على ذلك هو الثورة التونسية "ثورة البرويطة أو الكريطة"، كما نسميها.

"إنتي اللي تقرر مستقبلك يا شباب تونس"

"ما تستناو حد"، أنت من تقرر مصيرك، لا أروقة القصر الرئاسي بقرطاج ولا مكاتب وزراء الحكومة بالقصبة، ولا ردهات مجلس النواب بباردو، ولا حتى مكاتب الأحزاب التونسية، ليست دعوة للتخلي عن الدولة وعن العمل السياسي، بقدر ما هي دعوة علمية وتقنية بحتة، فالمرء العاقل يعي أن لا السياسيين يملكون متراس السرعة للإقلاع بتونس نحو التقدم والاستقرار الروحي والثوري، ولا عقلية التواكل وانتظار الهبات أيضاً سيجعل منكم سعداء.

التغيير يبدأ من محيطكم الضيق نحو عالم أرحب وأوسع، التغيير لا يكون من أعلى الهرم نحو القواعد، فهم ليسوا السماء حتى ترزقنا غيثاً، وكما قال أبو القاسم الشابي: "ومن يتهيب صعود الجبال ** يعِش أبد الدهر بين الحفر".

رسالتي كشاب تونسي لِبَني وطني جميعاً مهما كانت انطباعاتهم عن الثورة، أن يتناسوا كل الجدل السياسي، ويعلموا أن الزمن هو زمن المبادرات وليس الانتظارات، "الغرينتا"، أي الروح الحية هي الحل، دعوا كل السلبية فكل هذه الطاقة المكبلة هي سبب من أسباب العجز المستمر لسنين عدة، أقبلوا على الحياة وعلى الترحال وعلى التجارب المهنية حتى بأدنى الأجور "لكن بكرامة وعزة نفس"، تعلموا اللغات، ودعوا الرداءة والكآبة جانباً لأهل السياسة، فنحن الشعب الذي نقول لكل العالم: "يعيشك".. عيشوا وتمتعوا بالحياة ولونوا الثورة التونسية بالعمل والابتسامة، فالغرب بتجاربه الناجحة ليس أفضل منا خلقة، لهم دماغ، ولنا دماغ.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد