تركيا والمثلث العربي

يملك السوريون المقومات الدينية والقومية والعِرقية، لتجاوز هذه المرحلة والبدء في مرحلة جديدة، تكون فيها منعطفاً تاريخياً في تاريخ المنطقة العربية، لكن هذا يتوقف على وجود قيادة حقيقية وإرادة عن الجميع ليكونوا ضمن صف واحد لبناء سوريا الجديدة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/26 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/26 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

في معظم تاريخ الحروب منذ مئات السنين، وفي خضم الثورات الناشئة والثورات الجاهزة التي عاشتها الشعوب، كانت تتبع إدارة وقيادة موحدة، ومهما زاد الظلم والجور على الشعوب، فإنه سيأتي ذلك اليوم الذي تتخلص فيه من الظلم والجور وتشرع في بناء الديمقراطية المنشودة.

وجود القيادة الواضحة قد يساعد العدو على القضاء على الثورات، في بعض الأحيان، من خلال القضاء على قياداتها. في ثورة الكرامة عام 2011، فضّل السوريون ترك ثورتهم بلا قيادة، تتبنى مطالبهم والدفاع عن حقوقهم على الأرض، وفي المحافل الدولية، وهذا ما شتت جمعهم وفرقهم عن هدفهم الأساسي، وعمل نظام الأسد أيضاً على إيجاد مجموعات مسلحة تدّعي الثورية، وانخرطت ضمن النسيج الثوري، فاستطاعت، بكل بساطة، تصدّر المشهد من غير رادع أو مانع.

أهم الأسباب التي منعت ظهور القيادة الواحدة، أن النظام المخابراتي البوليسي لنظام الأسد منع -ولو بشكل صوري- أي نوع من المعارضة، حتى إنه لاحقهم خارج حدود القُطر، ما سبب في تشتيت المعارضة الخارجية، وإضعافهم سياسياً، وخوفهم من تشكيل أي تحالف دولي يدعمهم، أو يناصر قضيتهم على الأقل في بلاد المهجر.

الآن، وبعد سنواتٍ من الحرب في سوريا، والثورة اليتيمة لشعبنا السوري، كان لزاماً على النخب السياسية والقيادات العسكرية في سوريا تشكيل قيادة عسكرية واحدة، تتبع لقيادة سياسية، متلازمة بالضرورة مع تطلعات الشعب الثائر، وكسر حواجز التخوين والانشطار القيادي والإداري فيها.

تنبع هذه القيادة من مبدأ المطلب الأساسي للشعب، وبناء الهياكل الإدارية والقيادية وإعادة ترتيب أولوياتها على الأرض، وإعداد مراكز تقييم واقعية سياسية وعسكرية، إضافة إلى أن إعادة هيكلة العلاقات الدولية، وتوضيح تسمياتها بمحددات واضحة يصبان في خدمة الثورة بالآخِر، والانتقال من مرحلة العسكر والسياسة إلى مرحلة تبنّي الفكر العام وإرساء قواعد المنهجية الجديدة التي تنبع من متطلبات الشعب وحاجاته، والأخذ بالاعتبار التنوع الفكري والثقافي والعِرقي والديني للمجتمع السوري.

شهدت المرحلة السابقة التي استمرت أكثر من نصف قرن حالة من التجهيل المتعمد والقسري، وإيجاد فوارق كبيرة طبقية ومجتمعية وطائفية، زادت من مسؤولية الثورة المرتقبة من عشرات السنين، أما وأن الثورة قد قامت وتستمر منذ ست سنوات، فهي تحمل على عاتقها مزيداً من المسؤوليات، ليس مسؤولية إسقاط النظام فقط، إنما إعادة هيكلة البنية المجتمعية للبلد وإعادة إنتاج نخب سياسية ودينية وقيادية وعلمية، تتكيف والواقع الجديد.

تشبه الثورة السورية، في بعض محطاتها، إلى حد كبير، الثورة الفرنسية في مرحلة الثورة العسكرية ضد الملك لويس، لذا فإن السوريين يستطيعون لملمة جراحهم، والنهوض من جديد، لبناء وطنهم مجدداً.

هذا طبعاً لو توافرت القيادة التي تستطيع أن تجمع السوريين على هدف واحد، وإلقاء الخلافات الدينية، أو حلها بطريقة أخرى، بعيدة عن الحل العسكري؛ لأن التاريخ الطويل يثبت لنا أن الخلاف الديني لا يمكن حله عسكرياً، إلا بإبادة أحد الأطراف الآخر.

عندما كان لدى الفرنسيين الإرادة لإنهاء الحرب اتفقوا، وأحدثوا مسوغات أقنعوا فيها العامة بذلك، وشكلت الثورة الفرنسية وقتها منعطفاً تاريخياً في تاريخ أوروبا.

يملك السوريون المقومات الدينية والقومية والعِرقية، لتجاوز هذه المرحلة والبدء في مرحلة جديدة، تكون فيها منعطفاً تاريخياً في تاريخ المنطقة العربية، لكن هذا يتوقف على وجود قيادة حقيقية وإرادة عن الجميع ليكونوا ضمن صف واحد لبناء سوريا الجديدة.

عندما تتوافر الإرادة لدى الجميع، سيشكل ذلك أداة ضغط على أوروبا والولايات المتحدة وروسيا، للقبول بالواقع الجديد، الواقع الذي يفرضه السوريون عليهم؛ لأنهم يدركون، ضمن مخططاتهم، أن أكثر ما يساعدهم هو تفرق الجميع وتناحرهم فيما بينهم، وأكبر مثالٍ وقوف تركيا صفاً واحداً، ما اضطر روسيا إلى تغيير خططها من مرحلة فرض السيطرة على تركيا إلى مرحلة التعاون والتعامل نداً لندٍّ في القضايا الإقليمية.

فتركيا اليوم لم تختلف كثيراً عما كانت عليها منذ سنة في مرحلة إسقاط الطائرة الروسية، لكن توافر القيادة التي وضعت مصلحة تركيا فوق كل اعتبار، أجبر روسيا على التعامل بأسلوب مختلف، والانتقال إلى وضع المتحالف، بدلاً من وضع الوصي، وهذا ما ينقصنا اليوم في سوريا، القيادة الحقيقية التي تدرك أن مصلحة سوريا فوق الجميع، ففي أمن الوطن لا مجال للاعتبارات الشخصية، ولا مجال للمجاملات الدولية، هي المصلحة ومصلحة الوطن أعظم من أي مصلحة.

لو وُجدت هذه القيادة، ووضعت هذا الاعتبار فوق كل الاعتبارات، فلن يطول كثيراً وجود سوريا ضمن صنّاع القرار في العالم، فهي تملك من الموارد والمقومات ما لا تملكه دول كثيرة غيرها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد