حسب دراسة أجريتها بنفسي مؤخراً توصلت لنتيجة أن الجمال يكره الفقر، وفي عام 2017 هذا، المعايير المتعلقة بالجمال الخارجي -دعكم من الجمال الداخلي والروحي والكلام الفاضي طبعاً- ربما أصبحت حقاً مكتسباً، ربما أصبحت ضرورة تليق بكل مَن يحاول قول: أنا أفكر كيف أتصور على السناب شات إذاً أنا موجود!
مَن نحن اليوم؟ ومَن خلق هذا العالم لنا؟ ليس هذا مقام حديثنا، السؤال الذي لا ينفك يحيّرني: "إحنا اتغيرنا ولا الحب اللي اتغير؟".
في رحلة ما من رحلات الحب التي خرجنا إليها جميعاً ولم نعد، كما كنا ربما سمعنا في غفلة من التزام ديني أغنية: "أول مرة تحب يا قلبي وأول يوم تتهنّا ياما على نار الحب قالوا لي ولقيتها من الجنة".
في السنوات الماضية عندما كان الحب الحقيقي الذي يقدمه لنا الفن على شاشة التلفاز كان يحصره على هذه الأفلام التي اقتصرت على لونَين لا ثالث لهما.
كنا نسخر من علاقات الحب التي تجمع بين محب فقير وآخر غني، هذه الفكرة السخيفة التي كانت تدور حولها أغلب أفلام الأبيض والأسود كانت سخيفة فعلاً؛ لأن قصص الحب هي قصص من الحياة، والحياة في وطننا العربي لا تقتصر على علاقة حب بين غني وفقير، يفرق بينهما حاسد أو أُم تسعى لثراء ابنتها.
ولكن هذه الحقيقة: الكل يريد الثراء لابنته المتزوجة، ودعونا لا نقصر الثراء على مَن هم قليلي الأدب والدين والإنسانية، وكل الصفات الرائعة التي ألصقتها الدراما المصرية بالشاب الرومانسي الرقيق وغني القلب والفكر لا الجيب.. "فكر إيه اللي إنت جاي تقول عليه.. إنت عارف قبله معنى الفكر إيه؟"
الحب وحده لا يكفي.. لا يكفي!
ربما في رحلة أخرى سمعنا أغنية "علمني حبك أن أحزن، وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن" لماذا هذا الحب المليء بالنكد؟ وأنا أقصد في مراحل الحب ليس تلك التي تعود لفترة المراهقة، بل إلى الواقع المادي الذي يؤهلنا للارتباط.
عجيب أمر هذا الحب وبرّاق مثل جوهرة وسط الرمال ثم يمسي بقيمة ما حوله من رمال أو ربما أكثر.
والرمال ليس أنها لا قيمة لها.. الرمال هي الأكثر صدقاً من بريق لا يدوم.. لا يدوم بريق هذا الحب لا يدوم، فور أن تدخل حسابات المال تتغير الكثير من المعايير.
ليس المال وحده هو المسؤول.. الحب لا يستطيع أن يثبت على حال، هو دائماً في زيادة أو نقصان، في البداية العلاقة تبنى على مفهوم الحب ثم تتوثق أكثر وأكثر بناء على مفهوم العائلة.
هذه العائلة هي ليست ضد الحب، المتوقع أن تتابع مشروع الحب الذي أسسه زوجان وتعود بالفائدة على الجميع.
ولكن إذا كان إيمان الفرد يتفاوت أليس هذا التفاوت يعدي الكثير مما يحل في القلب من حب وعطاء وهدوء واطمئنان وسلام ومرض؟
نحن نتغير إذاً، ليس للأسوأ وليس للأفضل، نحن فقط نتغير، يتبدل هذا الشعور الذي كنا ننتفض به دون أي سلاح نشهره.
العلاقة التي كان يتحكم بها شخصان، أصبح محكّموها كثراً، أصبح اللاعبون فيها كثراً، فكيف بالله عليك لا تتوقع أن تتغير؟
كل شيء سيتغير، ليس للأسود وليس للأبيض، ستغرق في الرمادي، ستغرق أكثر وأكثر كلما كبرت وأنت متزوج.
لا شك أن هناك دائماً العائلات التي لا تنطبق عليها هذه القاعدة وليدة أفكاري الخاصة، فكما أن العالم العربي فيه التطرف والمغالاة، فهي أيضاً تنسحب على مفهوم العائلة العربية.
يتغير الأزواج وتتغير الاهتمامات وتتضاعف المسؤوليات، وهيهات أن تتراجع الواجبات الاجتماعية! يصرخ الأولاد: نحن هنا، ثم تعود الواجبات الاجتماعية تحتل الصدارة، ترتفع درجة حرارة الأمومة أو الأبوة، تتصدر المشهد، ثم تحط دون مقدمات ذكريات أطلقتها صافرة الحنين فتنتظم حرارة العائلة ككل، يقلب الطاولة حدث عرضي يتعلق بالمادة فتتنافر الأنفس وتهبط أسهم الحب وتكاد شركة العائلة أن تسرّح جميع الموظفين وتغلق أبوابها، إلا أن تدخلات مستثمرين غير جدد من كلا الزوجين يقدمون النصح المعنوي والدعم الإرشادي فيهدأ البال، وتعاد الكرّة في كل منزل، وعمارة، ومدينة عربية عاش فيها محب وعاشت حبيبة تزوجا وأنجبا الأطفال وحاولا جاهديْن أن يقدما الأفضل لما يدور ويدور في حياتهما اليومية.
هل الحب هو الذي كتبه نزار وغنَّاه كاظم؟ هل الحب هو ما عامل به والدنا أمّنا؟ أم تراه هذه الأغاني التي تتطفل على الأذن والعين؟ هل الحب أن تواصل العيش مع شريك فقد أطرافه فلا يقوى على الوقوف بجانبك وتظل تحبه، تحبه كما كنت تحبه؟
هل الحب أن يظل الحبيب يرى زوجته الجميلة جميلة فعلاً مهما كبرت ومهما كبر جسدها وتعب؟
هل الحب أن تنجب أطفالاً لا تتذمر منهم وتتباهى بكونك لم تصفعهم مرة واحدة جنباً إلى جنب مع المال الوفير الذي يكبر معهم؟
هل يجوز لنا أن نستخدم كلمة الحب وحدها.. أليس الأدق أن يكون للحب اسم مركب؟
كيف نصنع المشاعر ومن ثم نفقد السيطرة عليها، كيف؟
لماذا نتغير؟ هذا العالم هو المسؤول، نعم أنا أحمّل هذا العالم مسؤولية أي تغيير سلبي يعيشه الزوجان.
تقتلنا المظاهر قبل السكين، تفسدنا، تحل محل الحقيقة والواقع، تقتل البساطة فينا، تهزأ من أي خدش بسيط في لعبة أحببناها صغاراً، تجبّ كل عادة لطيفة كانت تجمع العائلة أو من المفروض أن تجمعها.
نحب أن نتغير، نطمح إلى أن نتغير، نقاتل حتى الخير فينا لنتغير، نحن نريد أن نتغير، التغيير هو الأفضل.
إلى أين؟ لا أدري سنصل، ولكننا أتقنا المجاراة، لا وقت للحقيقة، الحقيقة لا تعجبنا، ليست دائماً مصدر فخرنا، تؤلمنا، ولا تصقل سوى تذمرنا، وبعد؟ وماذا بعد؟
السؤال الأصعب هو الذي تطرحه العائلة التي تكابد الحياة والحرب معاً، لو لم تقتلنا هذه المظاهر.. هل كنا سنختلق أموراً أخرى كي تقتلنا؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.