أصبح "الواقع الافتراضي" واحدة من التقنيات الشهيرة والواعدة هذه الأيام، خصوصاً بعد التحديثات الهائلة التي أجرتها شركات التكنولوجيا على تطبيقات ومنصات هذه التقنية.
ويعرف "الواقع الافتراضي" بأنه "محاكاة ثلاثية الأبعاد لبيئة حقيقية أو خيالية، تُعرض من طريق نظارات خاصة أو شاشات ضخمة ملحقة بها أجهزة المحاكاة التفاعلية (Interactive Simulation) التي تعطي المُشاهد الإحساس الفيزيائي بالمقاطع المعروضة".
لكن الأمر لم يكن دائماً يعتمد على مشاهد متحركة أو رسومات "غرافيك"، ففي عام 1838 صنع مخترع التليغراف الإنجليزي تشارلز ويتستون أداة أطلق عليها اسم The stereoscope، والتي تعتبر أول نظارة لمشاهدة الواقع الافتراضي، إلا أنها كانت تعتمد على صور ثنائية الأبعاد لتوليد مشهد واحد ثلاثي الأبعاد.
ويرى الباحثون أن بداية تصوير الواقع الافتراضي ترجع إلى اللوحات الزيتية البانورامية القديمة التي كانت تنقل مشاهد من المعارك الشهيرة، باعتبارها نقلاً للواقع بطريقة تفصيلية، ما يُشعر المشاهد بأنه حضر المعركة أو الحدث التاريخي وقتها.
وفي عام 1849 طور الفيزيائي الاسكوتلندي ديفيد بروستر أداة ويتستون بعد 11 عاماً من اختراعها، وأطلق عليها The Lenticular Stereoscope، وتلا ذلك تطوير ويليام غروبر وإدوين ماير أداة جديدة في عام 1939 لمصلحة العلامة التجارية View Master، وهي النظارة التي ظلت لعبة الأطفال المفضلة لوقت طويل، حتى إنها ما زالت موجودة حتى الآن.
وسبق غروبر وماير اختراع أول أداة لمحاكاة الطيران على يد إدوين لينك في عام 1929 سمّيت Link Trainer أو Blue Box، والتي ساعدت على تدريب أكثر من 500 ألف طيار أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنتجت الشركة وقتها 10 آلاف آلة.
وفي عام 1950 طور مورتون هيليغ جهازاً جديداً للمحاكاة أطلق عليه Sensorama، غيّر به مجرى هذا العالم، ما جعله يلقب بـ"أبو الواقع الافتراضي"، ولم يعتمد الجهاز كسابقيه على حاسة البصر فقط، أو مثل جهاز "لينك تراينر" الذي يعتمد على محاكاة الحركة فقط؛ بل اعتمد إلى جانبها حواس أخرى مثل الشم؛ ليحصل على براءة الاختراع في عام 1962.
وأنتج هيليغ خمسة أفلام عرضت على جهازه الذي كان مزوداً بمراوح للشعور بالهواء وأجهزة لتوليد الروائح، إضافة إلى مقعد يتحرك وفقاً للمشاهد المعروضة؛ لتصبح أول أفلام تُعرض بهذه التقنية.
وقدم أيضاً طلباً للحصول على براءة اختراع أخرى في عام 1957 لجهاز جديد أصغر من "سينسوراما"، ويشبه إلى حد كبير نظارات الواقع الافتراضي الحالية، أطلق عليه اسم Telesphere Mask وحصل على براءة الاختراع في عام 1960.
وصنع مايرون كروغر في عام 1969 بيئة اصطناعية "كومبيوترية" (Artificial Reality) يستطيع المستخدمون التواصل داخلها عن طريق الإشارة والرسم؛ لتكون أول بيئة "غرافيكية" ينتجها الكومبيوتر، وأطلق عليها أسماء مثل Glowflow وMetaplay.
وعلى الرغم من كل مراحل التطور السابقة فإن تسمية "الواقع الافتراضي" (Virtual reality) جاءت في عام 1987 عندما أطلقها مؤسس "visual programming lab" (مختبر البرمجة المرئية) جارون لانير على هذا المجال ليمنحه اسماً، يستخدمه الجميع حتى الآن، وطور لانير في شركته الكثير من أدوات الواقع الافتراضي، من قفازات وهاتف يمكن أن يرتديه المستخدم مثل النظارات.
وشهدت التسعينات ظهور منصات ألعاب فيديو تعتمد على الواقع الافتراضي مثل "Virtuality Group Arcade Machines"، و"Nintendo Virtual Boy"، بالإضافة إلى "Sega VR headset".
وجاءت أواخر الألفية الثانية بأفلام خيال علمي عدة تحدثت عن أجيال متقدمة من الواقع الافتراضي، مثل فيلم Matrix في عام 1999، الذي تدور أحداثه حول عالم افتراضي من صنع حاسوب عملاق، يعيش فيه البشر وهم نيام؛ لكنهم لا يعلمون، وتحاول المقاومة تحريرهم من سيطرة الحاسوب على عقولهم.
وشهدت الأعوام الخمسة عشر الأولى من الألفية الثالثة تطوراً مذهلاً في تقنية الواقع الافتراضي، ودخلت شركات تقنية عدة هذا المجال.
ودفع التطور الهائل الذي لحق بالهواتف الذكية هذه التقنية إلى التقدم في خطوات واسعة، بعدما أصبح الهاتف -أداة العرض- أكثر تطوراً وأخف وزناً وسعره في متناول الجميع، ما دفع شركات كبرى إلى إنتاج منصات الواقع الافتراضي، مثل: "غوغل"، و"سامسونغ"، و"سوني"، و"أوكولوس" المملوكة لشركة "فيسبوك"، والمسؤولة عن تطوير منصة الواقع الافتراضي "أوكولوس ريفت"، و"سامسونغ في آر"، وهو ما كان له أثر بالغ في صناعة ألعاب الفيديو.
واتجهت شركات تطوير الألعاب إلى إنتاج ألعاب تعتمد على منصات الواقع الافتراضي مثل لعبة "08:46″، التي تنقل اللاعب إلى برجي مركز التجارة العالمي صباح "11 سبتمبر/أيلول"، بالإضافة إلى ألعاب عدة ظهرت في العامين الماضي والحالي.
وطورت شركة "virtuix" منصة كاملة لألعاب الحركة والقتال اسمها "Omni"، تذكرنا بالفيلم الأميركي الشهير Gamer، إذ لا تقتصر المنصة على النظارات فقط، ولكنها عتاد كامل، يضع اللاعب في بيئة افتراضية تستلزم مجهوداً بدنياً لاجتياز مراحلها.
وأظهر إحصاء أخير أجرته "بلومبيرغ" أن مبيعات منصات الواقع الافتراضي تخطت حاجز الستة ملايين وحدة العام الحالي، مع توقعات بأن تصل إلى أكثر من 500 مليون وحدة في حلول عام 2025.
وقد يأتي يوم تصبح فيه التدريبات العسكرية من دون خسائر بشرية، وتتحول الأحلام إلى أفلام يستطيع أي شخص أن يختار حلمه ويعيشه داخل واقعه الافتراضي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.