صديقتي لُقبت أخيراً بفتاة الدرج، سر التسمية الغريبة جاء من حقيقة كونها اتخذت الدرج موطناً لها في أيام الدراسة العصيبة، وحاولت أن تقلّل من مللها بأن تتخذ من المارة أنساً لها دون أن يحدث أي إلهاء بأي شكل من أشكال التواصل.
ولكوني من محبّات الدرج، فقد صاحبتها في ذلك مرات كثيرة، في إحدى تلك المرات كانت جداً مثيرة للاهتمام وجالبة للاشمئزاز في ذات الوقت، قبل أن أذكر الموقف، فأنا لا أنوي أن أشهر بأحدهم، ولا أريد أن أعلن الفتنة، وأن أدعو لها، أو أن أشير إليها بالبنان، الغاية من كل ما سأقوله هي العبرة، وهذا ما أطمح إليه.
المهم في تلك المرة، شاركنا في جلستنا شاب وشابة ما زالا في فصلهما الأول في الجامعة، تشاركا نفس الكتاب، رأس يجاور الرأس، القدم تلامس القدم، واليد تمسك بمثيلتها من الآخر، لا تسألوني كيف تماسكت أعصابي، ولكن هيئته كانت توحي بقلة أدب مخيفة، فقارنت المنافع مع المضار، ولم أغامر بخوض معركة خاسرة، ولكنّي وعلى الرغم من سكوتي، لم أستطع أن أكتم دواخلي، كل خلية منّي كانت تقول "أتحبها يا سنفور، أخبرني كيف تخضرمت معك الأمور حتى أعلنت أنّ هذا في مقاييس الحب يعني حباً، أتحبها؟ أتضمن أنّك بهذه الشاكلة وبعد كل ما أخذت ستبقى تريدها ولن تطمع بما هو أكثر؟"، تمنيت أن يخبرني عساه يدلني على ضالتي التي أضلتني، لقد يقول شيئاً من عقل صغير يخرجني من دائرة أصغر.
الشخص الذي يقف على تلة، وهو يتفرج على أحداث أيامنا سيرى أيضاً الاعتراضات التي تطلقها الكثيرات؛ لأن الكل قرّر أن لا "يتلحلح" وآثر الصمت الطويل، قرّر أن يترك الأمور للأمور والأحداث للأحداث، لا يريد أن يغامر خوفاً من أن يُرفض، أو تردداً من اختياره، والأسمى أن يقف خوفاً من أن يقارب حرمات الله، ذلك " العمو" الذي يتابع سيحتار في أمرنا، فنحن لم يعجبنا ذلك الذي تدحرج من على التلة وسار مع الأهواء وفي ذات الوقت اعترضنا على ذلك الذي رفع رأسه شامخاً، وقرّر أن يرينا ثقلاً ما رأينا لأشباهه مثلاً.
أتريد الصدق؟ أنا لا أعرف ما هو الحد الفاصل، ولكنّي أعرف أنّ الحرام حرام والحلال حلال، وعلينا أن نتقي الشبهات ولن يغيّر هذا رأي السفاسف أو العلماء.
ولكن أضف إلى ذلك أنّي أعلم أنّ الله قد خلق الحب وجعله متأصلاً في الدواخل، والكل يلهث وراءه، سواء في حر صيف أو برد شتاء، لم يخلقه الله عبثاً، هو السبيل للبقاء ابتداء بحب الإله وانتهاء بحب المخلوقات، ولكن ككل شيء خلقه الله لنفعنا، علينا أن نحب ولكن بشروط، بالطبع هذه الشروط لا يحصيها كاتب ولا يسردها كلها عاقل، فلكل حالة ما يحدّها من حدود حتى لا نقارب حرمات الله، ولكن -كقاعدة شاملة- إن لم يزدك هذا الحب خوفاً من الإله ولا خشيةً له فهو وهم ابتكرته مخيلتك حتى تسحبك من الطريق شيئاً فشيئاً.
أحبّ وعش وتمنّ، ولكن لا تتحرك إلا وفق طريق رسمه شرع الله، ولا تركض سعياً وراء سرابٍ على طريق من سراب، وفي نهاية المطاف سينتهي بك الأمر وأنت وسط السراب، لا تعي ما الذي أرداك هناك.
أنا لست مختصة اجتماعيّة، ولست عالمة دينيّة، أنا لم أبلغ الواحدة والعشرين بعد، ولكن كل ما أتحدث به هو من واقع أشاهده حولي، وفي واقعي أرى البعض، ولعدم اتضاح الصورة أمامه، قد قرّر أن يضرب عصفورين بحجر واحد، سأخبرك كيف، هو قرّر أن يرمي سهمه، وبكل احترام، باتجاه أنثى واحدة، ثمّ جذبه توهج الإناث الأخريات وحاد عن التركيز على هدفه الأول!
سؤال سريع: أدخلت مرة بيتاً يحتوي على ذلك الزجاج ذي التعرجات، ذلك الذي إن وضعت ضوءاً خلفه تبينت لك إشعاعات بهيّة الألوان والأشكال؟ ألم تفكر للحظة أنّ كل الملهيات عن هدفك الأساسي هي أشياء اعتياديّة اختبأت خلف ذلك الزجاج؟ أعتذر لكن لدي سؤال آخر: أسمعت بالمثل القائل "اللي ما يحضر عنزه تجيب جديّ"، تجاهل المعنى الأساسي لكن معناه أنّ عليك التركيز الطويل لأنّك إن لم تفعل فلا شيء سيعطيك ما تريد، واستعنت بهذا المثل لأخبرك أنّ السهم سيحيد أحياناً، ويحتاج إلى أن تغمض عينيك قليلاً، تفعّل نشاط عقلك الكهربائي؛ لكي تصحّح مساره مرة أخرى.
صدّقني لا يغرنّك كثرة التلألؤ حولك وتوفره بالمجان، فلكل شيء ثمنه وسيسلب إما من راحة ضميرك أو من مقدار دينك.
في إحدى المرات التي حاولت أن أخرج نفسي من الحلقة المفرغة التي وضعني التفكير بهذا الموضوع بها ناقشت صديقة لي، حينها أخبرتني أنّها إن أعجبت بشخص فهي لن تستسلم، هي ستبيّن له بكل الطرق ما استطاعت، ربما لها في ذلك وجهة نظر، وخديجة – رضي الله عنها- أرسلت من يعرضها على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وتلك هي أحسن الصور للموضوع.
ولكن -وإن سلّمنا بهذا المنطق- فالكثيرون من هذا القرن سيتجاوزون الحد المعقول ولن يعرفوا متى سيتوقفون، وحتى لو تخيلت أنّني في زمن غير هذا الزمن، فالحياء سيمنعني ويكبّلني بقضبان حديديّة ولن أفعلها، والخوف من الرفض سيزيد من عزوفي عن القدوم على هكذا فعل، وإن غضضت الطرف عن هذين الاثنين، فأنا لن أثق بأسبابي كثيراً، لن أقنع نفسي أنّني فعلت شيئاً الله هو الأقدر على فعله، وما يزيد من اطمئنان الكثيرات هو مشاهد لأفلام كثيرة وهم يتركون كل شيء معلّقاً ثمّ يتفرجون على العقد وهي تُفكّ واحدة تلو الأخرى دون أي إدراك لماهية فكها، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟! من كان الله مدبّر أموره بالطبع، ولن يختلف على ذلك لا عاقلان ولا مختلان.
ختاماً، لن أعيد ما قلت، ولكن أود التعقيب على عنوان المقال، هو ليس ممّا فتح الله عليّ، هو عنوان مقال للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وددت أن أضيف هذه الإضافة؛ لأنّي ضقت ذرعاً بأناس يأخذون أعمال آخرين وأفكارهم دون أي مرجعيّة، عافانا الله وإيّاكم، وبالمناسبة، اقرأوا ما قال شيخي، فهو قد أبدع كما هي عادته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.