بالنسبة للبعض، من المُفترض أن تُغَيِّر الانتخابات الرئاسية الفرنسية مسار الدولة المُضطربة الغارقة في الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية. أما بالنسبة للبعض الآخر، فمن المُتوقع أن تُغير مسار القارة المُضطربة بأكملها؛ ما يُشكِّل تحدياً لوجود التكامل الأوروبي.
ولكن في فرنسا نفسها، هناك شيء أقل تجريدية بكثير، وأكثر عُمقاً على المحك. بالدولة التي لا تزال في "حالة طوارئ" رسمية عقب موجة غير مسبوقة من أعمال العنف الإرهابية خلال العامين الماضيين، أصبحت الانتخابات أيضاً استفتاءً على المسلمين ومكانهم في مُجتمع من أكثر مجتمعات أوروبا قلقاً وتَعَدُّداً في الثقافات، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
قبل الجولة الأولى للانتخابات التي من المُقرر أن تبدأ يوم الأحد 23 أبريل/نيسان 2017، أعرب كل من المتنافسين الخمسة الكِبار -من مختلف الأطياف الأيديولوجية- عن شعورهم بأنهم مُجبَرون على الرد على "السؤال المُلحّ" حول ما يجب عليهم القيام به مع أكبر أقلية دينية في البلاد.
مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المُتطرفة، جعلت الأمر واضحاً وضوح الشمس. ففي شهر فبراير/شباط 2017، وفي الخطاب نفسه الذي أعلنت فيه ترشحها للرئاسة، انتقدت بقسوةٍ "العولمة الإسلامية"، ووصفتها بـ"الأيديولوجيا التي تريد دفع فرنسا كي تركع على ركبتيها".
ورغم أن المجموعة المتنوعة من المنافسين، لا يُشاركون لوبان في تطرفها أو إدانتها للمسلمين، فإنه يبدو وكأن كلاً منهم يوافق على أنه عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، فحتماً هناك شيء يجب القيام به.
أعلن فرانسوا فيون، مُرشح التيار المُحافظ (يمين الوسط)، الذي يلحقه العار والفضيحة حالياً، في أحد خطابات حملته التي ألقاها في شهر يناير/كانون الثاني 2017: "أريد سيطرة إدارية صارمة على العقيدة الإسلامية".
وعلى النقيض، تحدث إيمانويل ماكرون، المرشح الليبرالي المُستقل الشهير، كثيراً، عما يعتبره حاجة ماسة لـ"مساعدة المسلمين في إعادة هيكلة الإسلام الفرنسي".
أما جان لوك ميلونكون، التابع للتيار اليساري المتعصب، والذي أدان الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام)، فهو يريد في نهاية المطاف القضاء على "جميع الطوائف"، وكرر ما وصفه بالحاجة "الماسة" إلى "وضع حد لاختلاس الأموال العامة المُسندة للتعليم الطائفي الخاص".
وكان بنوا هامون، المُرشح الاشتراكي، هو الوحيد الذي لطالما دافع عن المصالح المجتمعية للمسلمين الفرنسيين، وأصر -في عام فضيحة "البوركيني"- على أن القانون الفرنسي يجب أن يحمي كلاً من "الفتاة التي ترتدي الشورت القصير، وكذلك كل من تريد ارتداء الحجاب".
حملات قمع جديدة
ومع حدوث العديد من الهجمات الإرهابية المُدمرة التي ارتكبها مسلحون فرنسيون أو يحملون جواز سفر أوروبياً، ينتمون إلى تنظيم داعش أو يتخذونه مصدراً لإلهامهم، فإن شكوك الرأي العام تجاه السكان المُسلمين الموجودين في البلاد منذ قرون، تزايدت كثيراً.
ورغم التنوع المُعقد لتلك الفئة من السُكان، فإن هناك قلقاً واسع النطاق من أنه إن تم انتخاب أي من لوبان أو فيون، فإنه من الممكن أن تزداد الأمور سوءاً بشكل ملحوظ جداً. ومن المتوقع أن يتحرك كل من المرشحَيْن بسرعة فائقة لدفع حملات القمع ضد الحجاب والمساجد والمنظمات المجتمعية الإسلامية، وسيحدث كل ذلك باسم العلمانية الحكومية.
ولا يختلف الباقون كثيراً؛ إذ يتركون انطباعاً وإحساساً عميقاً بالهزيمة المريرة؛ حيث إن عدداً قليلاً جداً من المسلمين هو فقط من يرون مُرشحاً في السباق الانتخابي، قادراً على تغيير الوضع الراهن الذي يعتبره الكثيرون غير مُستدام.
تقول لورلا لوب، (56 عاماً)، وتُعد مواطنة فرنسية من الجيل الخامس وأستاذة للأدب العربي في كليشي، إحدى ضواحي باريس: "لا توجد حملة انتخابية موجهة لنا، ولا يتفهم أحد وضعنا".
كانت لوب تنتظر دخول الاجتماع السنوي للمسلمين الفرنسيين، وهو حدث مجتمعي واسع النطاق، يُعقد في عدة مستودعات ومخازن بالقرب من مطار باريس لو بورجيه.
ونتيجةً لذلك، يزداد الامتناع عن التصويت بين المسلمين الفرنسيين، كما قال حكيم القروي، مؤلف أحد التقارير التي انتشرت على نطاق واسع عام 2016 عن الإسلام في فرنسا، والذي نشره معهد مونتين، الذي يعد مؤسسة للتفكير التطوري مقرها باريس.
وقال القروي إن السبب الرئيسي في ذلك، هو أن الموقف الصارم لمكافحة الإرهاب الذي اعتمدته الإدارة الاشتراكية للرئيس فرانسوا هولاند -وخاصة رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، الذي اشتُهر بانتقاده لـ"البوركيني" الصيف الماضي- قد أدى في النهاية إلى تقويض الرغبة في دعم اليسار بين المسلمين الفرنسيين، في انتخابات عام 2017، كما يفعل الكثيرون عادةً.
وقال القروي: "لطالما كان اليمين يقف ضد المسلمين والمُهاجرين، إلا أنه مع فالس، كان الأمر يبدو وكأنه تخلى عن الصورة الحيادية لتيار اليسار بين المسلمين. وتسبب في تشويهها تماماً".
ومن أكبر المخاوف التي يرهبها المسلمون، ما يُسمى حالة الطوارئ، وهو نظام أمني فرضه هولاند بعد يوم واحد من هجمات شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 على باريس، وقال إن الهدف منه هو مُكافحة الإرهاب. ومن المتوقع أن تنتهي فترة التدقيق الصارم فعلياً هذا الصيف، ولكنها استمرت بالفعل أكثر من 16 شهراً. ولم يقترح إنهاء تلك الحالة سوى مُرشح واحد فقط، وهو ميلونكون.
ومنذ فرض حالة الطوارئ، أصبح مسموحاً للسلطات الفرنسية القيام بأكثر من 4.000 عملية تفتيش على المنازل الفرنسية بلا إذن، كما سُمح لها بوضع أكثر من 700 شخص قيد الإقامة الجبرية.
إلا أن العديد من المسلمين يقولون إنهم استُهدِفوا بشكل غير قانوني. ووفقاً لجماعة فرنسا ضد الإسلاموفوبيا (بالفرنسية CCIF)، وهي مُنظمة دعوية ملتزمة بمكافحة التمييز، فإن أكثر من 400 مسلم فرنسي أفادوا بأنه تم البحث في منازلهم دون سبب واضح عام 2016. ووُضع ما يقرب من 100 شخص من بين هؤلاء تحت الإقامة الجبرية، بينما طُلِب من نحو 30 شخصاً مُغادرة البلاد.
بالنسبة للبعض، كانت العواقب وخيمة.
على سبيل المثال، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2016، فزعت دريسيا -إحدى سكان جبال الألب الفرنسية المسلمات التي رفضت الإفصاح عن اسمها الأخير خوفاً من الانتقام المهني- من نومها في الساعة 4:30 صباحاً على صوت طرقات 10 من ضباط الشرطة الفرنسيين على بابها، من ضمنهم ثلاثة يرتدون أقنعة للوجه. مشطت الشرطة شقتها حتى السادسة صباحاً، بينما أخبروها هي وابنتها البالغة من العمر 7 سنوات بأن كل شيء على ما يرام، وفقاً لروايتها.
إلا أن هذا كان بداية الكابوس فقط، تابعت دريسيا روايتها قائلة إنها بعد 6 أيام "طُردت من وظيفتها بعد 15 عاماً من العمل كمنظمة للمرور. وعلمت لاحقاً من محاميها أن السبب وراء ذلك جاء من المحافظ الإقليمي الذي حصل على معلومات سرية تثبت أن بعضاً من أقاربها مثلوا تهديداً لأمن إدارة مونت بلانك للمرور وموظفيها"، حسب روايتها.
وأضافت: "لم تكن لدي فكرة عن هوية أولئك "الأقارب المقربين".
تمكنت دريسيا في نهاية المطاف من الفوز بقضيتها أمام المحكمة، إلا أن التبرئة القانونية لم تسهم في تغيير حكم الرأي العام عليها.
وأضافت: "قرأت عبارات بغيضة ومؤلمة كتبتها الصحافة عني. قال أحد العناوين إن إدارة مونت بلانك للمرور طردت موظفة متطرفة".
الحاضرون الغائبون
وعلى الرغم من أهمية الفرنسيين المسلمين لحملات الانتخابات الرئاسية، فإنهم نادراً ما أُشركوا في المناظرات المتعددة بين المرشحين غير المسلمين -الذين يتنافسون للوصول إلى الرئاسة- حول كيفية فهمهم لدينهم وطريقة حياتهم.
ورغم كونهم إحدى النقاط المركزية في الخطاب العام، فإنهم غائبون عن الرأي العام بشكل ما؛ بل ويرى البعض أنهم مجهولون تماماً.
حينما يقترح بعض المرشحين الرئاسيين أفكاراً مثل "برامج جامعية تدريبية على قيم الجمهورية" للأئمة، مثلما فعل إيمانويل ماكرون مؤخراً، يصيب الكثيرون الضيق من المعنى الضمني للاقتراح، والذي يشير إلى أنهم لا يعرفون هذه القيم.
لودوفيتش-محمد زاهد (40 عاماً)، هو إمام مثلي الجنس ومؤسس أول مسجد أوروبي يضم المثليين، ويديره أسبوعياً من غرفة مستأجرة في مارسيليا، المدينة مترامية الأطراف الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط الفرنسي.
وقال عن الفصل الظاهر بين الهويات الفرنسية والمسلمة: "إذا اعتقدت أنه لا يمكن أن تكون الاثنين معاً، فكما تحب، لم أشعر قط بالحاجة لإقناعك بالعكس".
وهو ما ينطبق على الطيف الأيديولوجي أيضاً.
كما قال فريد إيت-أوراب، أحد كبار قادة الكشافة المسلمين في فرنسا، وهي مؤسسة شبابية تسعى جاهدة لتعليم صغار المسلمين التوفيق بين دينهم وقيم الجمهورية الفرنسية: "حين تقول مارين لوبان إن على الأئمة الوعظ بالفرنسية، فهي على حق، هذه فرنسا".
وتابع إيت-أوراب القول بأن الإسلام يدور حول القيام بالأشياء معاً، بالاتفاق، في جماعة، مضيفاً: "نرى ذلك بالضبط في البرلمان (الجمعية الوطنية)، ومجلس الشيوخ حيث يجتمع النواب ليقرروا قوانيننا معاً. بالنسبة للمسلم الحقيقي، فليس هناك فارق بين كونه (فرنسياً) و(مسلماً)".
وقالت أسما بوغناوي (31 عاماً)، التي طُردت من عملها كمهندسة تصميم في إحدى الشركات الاستشارية لتكنولوجيا المعلومات عام 2009؛ بسبب حجابها: "يتحدث الناس عن المسلمين باعتبارهم شخصاً واحداً. ليس هناك أي اعتراف بالاختلاف والتنوع".
وتابعت الحديث بينما هي جالسة في أحد مقاهي محطة ليون في باريس: "من هم المسلمون الفرنسيون؟ من نحن؟".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.