على الرغم من النجاح الجماهيري الذي حققه فيلم "مولانا" في مصر، الذي يقوم ببطولته الفنان المصري عمرو سعد، عن رواية الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى، إلا أنه واجه انتقادات قوية، وخصوصاً من قبل بعض الدعاة وأساتذة الأزهر والشيوخ السلفيين، الذين طالبوا بوقف عرض الفيلم، أو عرضه على لجنة من الأزهر للسماح بعرضه من عدمه.
أحداث الفيلم
تدور أحداث الفيلم حول الشيخ حاتم الشناوي، وصعوده من المساجد والزوايا ليصبح نجم فضائيات، ليفتح له برنامجه الأبواب المغلقة.
ويعرض البطل على أنه شخص انتهازي شهواني، كما يتطرق الفيلم لموضوعات حساسة مثل الفتنة الطائفية وعلاقة الشيعي بالسُّني، وعبَّر المشهد الأخير عن واقع العلاقات بين المسيحي والمسلم، سواء أمام الكاميرا أو خلفها في لقاءات بيت العائلة أو الوحدة الوطنية.
مساوئ "الشيخ"
ويرى الدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن "الفيلم أظهر صورة "الشيخ" وكأن فيه كل المساوئ من زنا وانتهازية".
وفي مداخلة هاتفية ببرنامج "العاشرة مساء" على قناة "دريم" مع الإعلامي المصري وائل الإبراشي، أشار فؤاد إلى أن الفيلم "ألقى الضوء على النوعية السيئة فقط من الدعاة، في حين أننا نريد أن يقوم الأزهر ومشايخ الدعوة بأدوارهم في توعية النشء ومقاومة الأفكار المتطرفة".
وتساءل المتحدث "كيف سيقوم الشيخ بدوره بعد أن يفقد الشاب الثقة في الشيخ نفسه ويراه بهذا الشكل السيئ".
وأقيم عرض خاص لفيلم مولانا الثلاثاء 3 يناير/ كانون الثاني الجاري، حضره صناع الفيلم وعدد من الشخصيات الفنية والسياسية والإعلامية المصرية، بعدها تم عرض الفيلم في دور السينما، حيث حقق أرباحاً فاقت المليون ونصف المليون جنيه بعد ثلاثة أيام من عرضه.
حملة تشويه
وأكد الشيخ محمد صلاح الشرقاوي، عضو اتحاد علماء المسلمين وعضو جبهة العلماء، أن فيلم "مولانا" لا يسيء لصورة الدعاة فقط، وإنما يسيء للدين الإسلامي ككل.
وأشار إلى أن "الإسلام يتعرض لحملة تشويه بسبب التنظيمات الإرهابية والأحداث الجارية، مشدداً على أن الدراما والفن عليهما أن يقدما نماذج إيجابية للدعاة المسلمين وليس العكس".
ولاقى الفيلم نقداً سياسياً أيضاً، حيث قدَّم النائب شكري الجندي، عضو اللجنة الدينية بالبرلمان المصري طلباً لوقف الفيلم، أو على الأقل عرضه على لجنة متخصصة من الأزهر ووزارة الأوقاف من أجل إقراره، مشيراً إلى أن "الدراما التي تتعلق بأمور دينية يجب أن تُعرض على الأزهر قبل السماح بها".
المنع مرفوض
من جهته رفض مخرج الفيلم مجدي أحمد علي أي مطالبات بعرض الفيلم على مؤسسة الأزهر، موضحاً أن المسؤولين عن الفيلم لم يتجاوزوا القانون بأي شكل من الأشكال.
وشدد في تصريحات لـ"عربي بوست" على أن "المطالبات بوقف الفيلم ومنعه من السينمات وحتى عرضه على الأزهر هي مطالبات غير قانونية وتعتبر مصادرة للإبداع"، مطالباً من لديه انتقادات على الفيلم أن "يعرضها بالفكر وبالكتابة والسبل المشروعة وليس بالمطالبة بالمنع".
هل من حق الأزهر أن يراقب؟
فيما يرى الناقد الفني كمال القاضي، أن مؤسسة الأزهر من حقها أن تناقش أحداث الفيلم حيث إنه يتعرض للدعاة والعلماء، موضحاً أن العادة جرت أن تعرض الأفلام التي تتعلق بالأمور الدينية على لجنة من الأزهر، مذكراً أن فيلم "الرسالة" تم رفضه سابقاً وتوقف عرضه لمدة تقترب من 20 عاماً، وبعد ذلك تم عرضه في الفضائيات.
وأشار في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن منتجي الفيلم كان عليهم أن يرسلوا نسخة منه إلى الأزهر لمناقشته وإبداء الرأي فيه، لأنهم أهل الاختصاص، مؤكداً أن هناك إشكالية بين المبدعين والرقابة الفنية والدينية، لكن كان على المسؤولين محاولة إيجاد توافق عليه مع الأزهر.
وأوضح القاضي، أنه من المحتمل أن يكون الأزهر ناقش الفيلم أو سمع عنه قبل تصويره، ولكنه لم يُبد اعتراضاً عليه، لكن اعتراضه بعد عرضه يعتبر نوعاً من المزايدة، خصوصاً وهم يعرفون مسبقاً أن مؤلفه إبراهيم عيسى له خلفية مسبقة في مهاجمة رجال الدين.
وطالب الناقد الفني، بتشكيل لجنة من النقاد الفنيين مع ممثل للأزهر وصناع الفيلم لدراسة الفيلم وإبداء الرأي فيه، بدلاً من التلاسن، مشيراً إلى أن المخرج إذا أراد الانتقاد كان عليه استخدام الرمزية في العمل بدلاً من التصريح بشكل فج بصورة سيئة للداعية أو الإمام، حيث إن هناك فرقاً بين النقد وبين الإساءة.
حملة سلفية
وقال سامح عبد الحميد، الداعية السلفي في تدوينة له على فيسبوك: "الحملة تأتي بعد الغضب الذي شهده التيار الإسلامي بسبب تشويه صورة الأئمة والدعاة في فيلم مولانا، وبالاشتراك مع مجموعة كبيرة من السلفيين الذين طالبوا بوقف هذا الفيلم، خاصة أن رفض الفيلم أتى أيضاً من داخل اللجنة الدينية بمجلس النواب".
وذكرت التدوينة أن الفيلم "أثار غضبَ كبيرِ الأئمة بوزارة الأوقاف الدكتور منصور مندور على هذا الفيلم المتهجم على الأئمة، كما أن حركة "دافع" أعلنت عن عزمها تقديم بلاغ للنائب العام لوقف عرض فيلم مولانا المُسيء للعلماء".
وطالب التيار السلفي بفرض "رقابة أزهرية شرعية على المصنفات الفنية، ورقابة على القنوات الفضائية، منعاً للعبث بالثوابت الإسلامية وتشويه العلماء".
واقترح السلفي منع الأزهر لمن وصفهم بـ"غير المؤهلين" من الحديث بجهل في الشرع من الظهور في القنوات والحديث للصحف، وطالب بـ"سن قوانين تُجرِّم إهانة الدعاة والعلماء وانتقاصهم والتقليل من شأنهم وتشويه صورتهم".
وتابع سامح عبد الحميد "علينا أن نذكر هؤلاء العلماء بالفضل، وتقدير جهودهم في خدمة الإسلام، ونطالب الكُتَّاب والأدباء بتوقير الدعاة والعلماء في أعمالهم الفنية، وعدم الكذب عليهم وإلصاق التهم الباطلة بهم، بل يجب أن تكون أعمالهم تحض على توقير هذه الطائفة الصالحة النافعة للمجتمع".
رأي آخر
على الجانب الآخر، يقول الشيخ خالد الجندي الداعية الإسلامي، إن هناك إيجابيات للفيلم؛ ومنها تأكيده سماحة الإسلام وقبول الآخر، تأكيده أن (الرّق) نظام اجتماعي كان موجوداً في كل الديانات السماوية قبل أن تتخلص منه الحضارة الإنسانية، وتأكيده عدم انتصار الدين بانضمام أفراد جدد.
وكذلك أن معظم حالات الردة ما هي إلا حالات نفسية، وأن الفتنة الطائفية ما هي إلا مؤامرة ضد الجميع في مصر، وتأكيده قدرة البعض على فبركة اللقطات المسيئة للعلماء الذين يُراد إسكاتهم.
ويضيف الجندي في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك: "دعونا ننتهز فرصة هذا العمل الفني البارع لتأكيد أن قضية تجديد الخطاب الديني ليست مهمة الأزهر وحده، بل هي مسؤولية قومية ووطنية ملقاة على عاتق كل أفراد المجتمع بالطرح الجاد والتناول الوقور والسليم لهذا الملف الخطير، وقد خرجت من الفيلم أشد سعادة من غيري بأنني أنتمي لهذه المؤسسة المباركة "الأزهر الشريف".