من النهايات تُعرَف البدايات

وربما يكون الخير في فنائها، فهي تعمل جاهدة في وضع كبسولةٍ للحياة، يرضى عنها العقل البشري، وعندما نقف في نهاية الكون الفاني نعلم جيداً أن ما فوق السطور كان سيأتي بنهاية العالم، وأن ما تحت السطور من نقاط هي إما للتنبيه وإما للإذعان بمصيبتنا البشرية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/24 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/24 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

في بداية الزمان عرف العنصر البشري نهايته الكاملة بين يديه شخصياً بلا منازع وبأدواته الفريدة من نوعها واضعاً مأساة نهاية جنسه، فربما لا تنتهي البحار ولا تنتهي الجبال، ولكن من المحتمل أن يفنى البشر بكل بساطة، فما نسعى إليه اليوم في تطورنا سيكون غداً ساعياً إلينا في فنائنا.

العقل البشري كلما ازداد جنونه فتح باباً من أبواب خلاياه الدماغية النائمة؛ ليدخل مجدداً في جبروته، كلنا بدون استثناء نتغذى من بنزين المشاعر فياضة كانت أو لا، فالكره أو الغضب، الحب، اللامبالاة، العشق، القتل، كلها بأصولها مشاعر ينجم عنها العمل، هذه المشاعر القوية الدفينة تغذي كل إنسان فينا، فتشكله عجينة متماسكة من المشكلات بدءاً من جسده إلى روحه إلى ظهور أعماله وتحركه في الزمكان الحالي.

فكما أن مرض البروستات هو إعلان للاستسلام للشيخوخة، والأرق ناتج عن الإحباط، وآلام الرأس ناتجة عن النقض الذاتي والتعنيف النفسي الداخلي، والخدر في الأطراف هو شعور بعدم القدرة عن الدفاع عن النفس ومواجهة الآخرين، تأخذنا هذه العجينة الفاشلة المرتبطة ببعضها جذرياً في تصميمها الجسدي والروحي والنفسي والمرضي لآفاق أبعد من الخيال، ومن هنا نجد أن أكثر المبدعين هم إما مرضى نفسيين أو مرضى بالجسد بإعاقاتٍ مختلفة؛ لأن الإبداع يخرج قسرياً من ظلمات النفس؛ ليتحول إلى نورٍ يعم الناس بالخير، ليس بطريق الصدفة وإنما هذه العجينة لا تأتي إلا بالخير دوماً مهما فعلَت ومهما أخطأت ومهما حدث لها.

وربما يكون الخير في فنائها، فهي تعمل جاهدة في وضع كبسولةٍ للحياة، يرضى عنها العقل البشري، وعندما نقف في نهاية الكون الفاني نعلم جيداً أن ما فوق السطور كان سيأتي بنهاية العالم، وأن ما تحت السطور من نقاط هي إما للتنبيه وإما للإذعان بمصيبتنا البشرية.

فالنتيجة الحتمية بمعرفتنا النهاية التي تنبأ بها كل أحمق ورد في التاريخ هي كالشمس الساطعة في يوم ماطر، فكل البدايات تأخذنا لهذه النهايات.

وأعتذر من الأخ القارئ باستهتاري ببعض العقول النيرة التي هي أيضاً تَعرف النهاية من البداية، ولكن لا تلوثها وتخط خطوطها البيضاء بدون ألم، ظناً منها أن الألم هو للظلمات فقط، ولذلك نقع جزافاً في اتهامات؛ لأن كل البشر متألمون وكل البشر في الظلمات.

لا أذهب بمقالي هذا إلى عنصرية ما بين الدين والدنيا، ولكن الحقيقية الصماء للبشر جعلت من الرسالات الدينية حقيقة جميلة مع بعض من القوانين.

فماذا لو توقف الإنسان عن استقطاب النهاية العظمى في الكون ودرس مشاعره جيداً؟ هل سيبدو أحمق أمام الإله، ولن ينفّذ أيقونته في المعابد؟

سيصل حقيقةً علماء النفس إلى عجزٍ في وضع خاتمة لبحوثهم، فالتطور للعضلة المخية للإنسان لا حدود لها، ولن تلحق الكتب لتدوّن ذلك؛ لذا نعجز في كثيرٍ من الأحيان عن تفسير هذا الإنسان الواقف أمام الكون وحده يقاتل نفسه، وكل إنسان تسلطت عليه مشاعره ورغباته لا بدَّ أن يستنفد حقه وفرصه من المحيط حوله بلا سلاسل تعيقه.

وحده الكون مَن سيعطي الفرصة في كوننا لا شيء من ذراتٍ تافهة تمضي إلى التلاشي وسطه، وحده مَن سيقرر مصيرنا الآتي بالبقاء أو الفناء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد