بعد 12 يوماً وصل أخيراً إلى ميونخ الألمانية، حاملاً حقيبته السوداء وكيساً أخضر وطفله الصغير ذي الكنزة الصفراء، المشهد بتفاصيله بات مألوفاً لدى الكثيرين مع انتشار الفيديو الذي يصوّر اللاجئ السوري أسامة عبد المحسن وطفله زيد يتعرّضان لاعتداء من قبل مصوّرة مجرية.
"لم تكن رحلة سهلة أبداً" بهذه الكلمات بدأ أسامة (52 عاماً) حديثه لـ"عربي بوست" مشيراً إلى أنّ ما زاد صعوبة هذه الرحلة عليه "ركلة القدم التي وجهتها المصوّرة المجرية محاولة منعي مع طفلي زيد الفرار من الشرطة الحدودية وأوقعتنا أرضاً وكانت سبباً بأننا بصمنا في المجر" على حدّ قوله.
الحادثة بالتفصيل
وصل الباص الذي يقلّ أسامة وطفله من صربيا إلى الحدود المجرية في ساعات الصباح الأولى يوم الأربعاء 9-9-2015، وكان "الطقس سيئاً شديد البرودة" كما وصفه أسامة الذي أضاف بقوله "الأمور كلها غير منظمة وعشوائية، أعداد هائلة من المهاجرين تصل الحدود بواسطة الباصات، كلّ ساعتين يصل باص أو اثنين".
الحالة المزرية للمهاجرين من برد وجوع، كانت سبباً في اتخاذهم القرار التوجه نحو الحاجز الأمني المجري واختراقه سيراً على الأقدام، وما أن نجحت المجموعة الأولى من اختراق الحاجز الأمني، حتى جاء دور المجموعة التي من ضمنها أسامة.
"بدأنا الركض أنا وطفلي زيد جنباً إلى جنب، ولكن تمكّن عنصر من عناصر الشرطة المجرية رمي زيد أرضاً" يوضح أسامة، ويقول "بعد أن وقع طفلي الصغير أرضاً حملته وتابعت الركض ولكن للأسف بعدما قطعت 10 أمتار تمت عرقلتي مرة أخرى ولكن لم أعرف من السبب هذه المرة ولم ألاحظ وجود المصورة الشقراء!".
أمسكت الشرطة المجرية أسامة وطفله ووضعتهما في مخيم قرب الحدود والذي وصفه أسامة أنه أشبه بالمعتقل تحيط به أسوار شائكة ومحكم الإقفال، ويتم رمي الطعام للمعتقلين من خلال ثقوب صغيرة "بأسلوب غير إنساني أبداً"، وفيه وقع الأب أمام خيارين "إما أن يتم سجنه مع طفله ومن ثم الطرد، أو التبصيم وأن يعتبر لاجئاً في هنغاريا".
ضياع حلم اللجوء في ألمانيا!
أسامة ابن مدينة دير الزور كان يجد في ألمانيا البلد الذي قد ينسيه إلى حدّ ما وجع الحرب، ولكنه أجبر على "البصمة" في المجر لأنه كما أوضح "أفضل الخيارات السليمة التي لا توقعه بمشاكل، ولا أريد أن أقحم طفلي بمغامرات مرعبة أخرى".
إن بصمة أسامة وطفله تعني أنه لن يستطيع تقديم طلب اللجوء إلى ألمانيا حسبما تشير إليه اتفاقية "دبلن" في الاتحاد الأوروبي، وبذلك يتلاشى حلمه باللجوء إلى ألمانيا وذهبت مخاطرة اختياره لطفله الصغير زيد رفيقاً برحلته لسهولة لمّ الشمل مع بقية أفراد العائلة سدى!!
علامات القلق كانت واضحة خلال حديث أسامة، وخاصة أن زوجته واثنين من أولاده في تركيا بانتظار اللحاق بهم إلى ألمانيا، وهو يرى أنه "من المستحيل أن يخوضوا رحلة اللجوء الصعبة، وخاصة أن ابني الأكبر مهند (19 عاماً) مصاب بساقه اليسرى برصاصة قناص استهدفه بها النظام السوري وجعلت حركته نوعاً ما صعبة" كما يقول أسامة.
بالصدفة سمعت الخبر!
أسامة كان آخر من يعلم بوجود صحافي ألماني وثق لحظة قيام المصورة المجرية بركله، ففي الوقت الذي أحدثت تلك الحادثة ضجة عالمية كان هو يتابع مسيرة رحلته باتجاه ميونخ بألمانيا حيث يقطن ابنه محمد (17 عاماً) الذي سبقه إلى هناك منذ 8 أشهر.
"في الساعات الأخيرة من سفري باتجاه ميونخ صدفت صحافية شابة وهي التي أخبرتني" يوضح أسامة، ويقول "ذعر طفلي منها بشكل كبير ودخل مجدداً في نوبة بكاء خوفاً من أن يتم اعتقالنا مجدداً".
وبالنسبة لـ أسامة لا يشفع للمصورة المجرية اعتذراها الذي نشرته في إحدى الصحف المجرية، والسبب كما يقول "لقد اعتدت على طفلي وأدخلته في نوبة بكاء حادة لمدة ساعتين متواصلتين اعتذارها مرفوض".
وأضاف "ما يهمني هو استرداد حق طفلي الذي اعتدت عليه المصوّرة، ولا يكفيني طردها من القناة التي أيضاً تتحمل مسؤولية ما حصل".
والفيديو الذي أخذ صدى عالمياً كبيراً كان سبباً في إقالة المصورة وتدعى بيترا لازلو من عملها في قناة N1TV المجرية.
فقد ظهرت وهي تركل فتاة وتعرقل أسامة وهو يحمل طفله في الوقت الذي بدأ فيه مئات المهاجرين وكثير منهم من اللاجئين السوريين الفرار من الشرطة على حدود المجر الجنوبية مع صربيا.
ووصل المجر ما يقرب من 167 ألف مهاجر أكثرهم سوريون، فيما صوت البرلمان المجري على قانون يجرم الهجرة غير الشرعية.من المتوقع أن يتم تطبيقه في 15 سبتمبر/ أيلول.