دخلت وسائل التواصل الاجتماعي مجتمعنا في مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، ودخلت معها المساحات والمنابر التي كانت سلاحاً ذا حدين، فكما أنها كانت منبراً يصدر منه أحسن الكلام الفكري والثقافي، كانت أيضاً مرتعاً لكل من لديه كلمة يقولها، بغض النظر عن مدى سوئها، أو أثرها السلبي على المحيط والمجتمع.
منذ عصورٍ خلت والمنطقة العربية قائمة على مبدأ الانفجار في أية لحظة، نعاني من شتى أنواع الكبت، سواء الفكري أو الجنسي أو الاجتماعي، نادراً ما كانت تسنح لنا الفرص للتعبير عما يجول في خاطرنا، أو لتقديم شكوى عن أمرٍ خاطئ يدور في مدينتنا، تفاقم هذا الكبت ليضع المنطقة في حالة خطر، خطر الانفجار الذي قد يأتي في يوم ليس كغيره من الأيام، سيكون له الأثر الأكبر على مسيرة التغيير العربي، وشاءت الأقدار أن تتزامن السوشيال ميديا والربيع العربي بفترة زمنية واحدة -ربما كان الأول سبباً للثاني- فكان الإنترنت ملاذاً للشباب العربي، ليعبر -وبعدة ضغطات على لوحة المفاتيح- عمّا يجول في خاطره تجاه سياسة بلده، أو أن يوصف حالة تخلف اجتماعي متفاقمة بصورة واحدة أو فيديو.
أي أصبح الأفراد قادرين على التعبير، سواء أرادت الحكومات ذلك أم لم ترده، فالإنترنت أعطى سلاحاً قوياً في وجه الحكومات الهشة، والتي اعتمدت القمع سبيلاً لها لضبط الشعب في السنين السابقة.
كان أبرز ما يتصدر المنشورات الشبابية العربية هو "نقد" لاذع لكل ما هو سيئ في المجتمع العربي، لمَ لا ونحن والغرب أصبحنا قاب قوسين أو أدنى منذ أن قاربنا الإنترنت، فتلقينا أولى الصفعات والصدمات الثقافية حينما رأينا ما رأينا منهم، مما زاد من الشرخ بين الحكومة والشعب، فأصبح الشباب العربي لا يرى في حكوماته سوى عصبة من الأفراد الذين يقودون الدول على هواهم، ولا يرى في القيم والعادات الاجتماعية سوى أنها عادات بالية ومهترئة آن أوان تغييرها، وحان وقت القيام بثورات حقيقية!
لا ننكر أن المشاكل التي يتحدث عنها الوسط الرقمي العربي هي مشاكل حقيقية، بل إنها الحقيقة بعينها، فأهل مكة أدرى بشعابها، وشباب الوطن العربي هم الأدرى بما يجول في بلدانهم، وهم الأعلم بما يحصل من استكانة وضعف وتسييس.
أي أن الوسط الرقمي استطاع أن يوضح المشاكل التي يعاني منها الشعب، بل استطاع أن يخوض بتفاصيل دقيقة لا يعلم بها إلا قلة مروا بها، لكن استطاعوا إيصالها للآلاف عن طريق السوشيال ميديا.
لكن منهجيات حل المشكلات تفرض علينا كخطوة أولى توصيف وتعريف المشكلة، ثم البدء بإيجاد الحلول كخطوة ثانية، ويؤسفني القول هنا إننا كعرب لا نزال عالقين في الخطوة الأولى منذ 7 سنوات وحتى اللحظة.
يصرخ الفيسبوك يومياً بمنشورات التذمر من الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، يصف كل منشور مشكلة معينة، ويناقش في بعض الأحيان حلولاً تبقى في النهاية أسيرة هذا المنشور، ومهما اختلفت الوسيلة، فإن الغاية واحدة، وهي الحديث عن المجتمع العربي المتخلف، الذي لم ولن يرقى لدول العالم الأول!
ودوامة الصراع مع الغرب التي تحدثنا عنها سابقاً، والمقارنة الدائمة معهم، أبقتنا حبيسي هذه الخطوة دون حراك حقيقي نحو الخطوة الثانية، بالطبع هناك مبادرات وحركات قائمة هنا وهناك لكن لنتحدث بمفهوم النسب والتناسب.
أدرك تماماً أن كل مواطني الدول العربية هم على علم ويقين بما يحيط بهم الآن، المزيد من منشورات التذمر والشتم لن تسمن ولن تغني من جوع، نحن الآن بحاجة لتصرفات حقيقية على الأرض تنقلنا من خطوة أولى لخطوة ثانية لحل مشاكلنا، خطوات تتجسد بأشخاص ومبادرات وسياسات تضع أهدافاً مختلفة أمامها، وخططاً منطقية وحقيقية قادرة على التغيير.
لكن الأهم هو عكس الآلية التي نرى بها المجتمع ككل، فبدلاً من رؤيته كتمثال قديم مهترئ لن يحرك ساكناً، علينا أن نوقن أن هذا التمثال قادر على الحركة ولن يستطيع تحريكه أحد سوانا، كلماتنا على منابر وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على زرع رغبة التغيير لدينا، فأثر الكلمة له القوة الأكبر في عصرنا الحالي.
كما علينا أن نوقن أن الحلول الإسعافية لا يلبث أن يزول أثرها بزوالها، بينما الحلول المستدامة وطويلة الأمد هي ما نحن بحاجته الآن، حلول لن تؤتي ثمارها قبل جيل واحد على الأقل، فاللحظة الذهبية للتغيير لن تأتي مطلقاً؛ لأن التغيير هو عملية طويلة وشاقة يتضمنها العديد من التفاصيل والمتغيرات التي تملك أوزاناً مختلفة تعطي نتيجة مرتقبة مع مرور الوقت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.