قراءة في رسالة السيسي لإسرائيل

الحقيقة أن على النظام الحالي أن يدرك جيداً أن استمرار الدعم الدولي والإقليمي لن يكون مطلقاً في ظل فشل الإدارة الداخلية في التعاطي مع الأزمات الداخلية المتتالية ومع تنامي وجود داعش بسيناء وداخل السجون المصرية. النظام يخلق تدريجياً أعداء أكثر قسوة وشراسة ولا يمكن الاستمرار في المواجهة من خلال القمع والخطابات العاطفية أو استدعاء لحظات زعامة بائدة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/25 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/25 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش

يتلعثم الرجل كعادته في الكلمات وتخونه العبارات، لكن يبدو أن الفكرة حاضرة في ذهنه منذ مدة لم يكن ينقصها سوى أن يقضي المزيد من وقته متدرباً على فن الخطابة والإلقاء، هكذا بدت رسالة السيسي إلى إسرائيل حول إعادة إحياء حل الدولتين، مقابل تقديم كامل الضمانات لتحقيق أمن إسرائيل بالمنطقة.

لا يمثل ذلك الخطاب أي تحول جديد في السياسة المصرية منذ توقيع كامب ديفيد واتفاقية أوسلو؛ حيث تحولت مصر من طرف أصيل في الصراع إلى راعٍ لعمليات التفاوض وضامن للأمن الإسرائيلي من خلال تحجيم قدرات المقاومة الفلسطينية بشكل لا يغير ركائز الاستقرار والأمن الإسرائيلي بصورة كبيرة.

لكن التحول الأصيل الذي تطرحه تلك الرسالة هو تعبير رأس النظام بصورة علنية عن رغبته في ضمان الأمن الإسرائيلي على غير استحياء أو حرج في ظل سلسلة من الأحداث التي تنذر بوجود تغيرات ما يجب لفت الانتباه إليها وإدراك تداعياتها، فقضية تيران وصنافير لا يمكن قصرها علي خطاب قومي يتعلق بفكرة تملك الأرض أو التنازل عنها مقابل حفنة من الدولارات الخليجية، التداعيات الإقليمية للتنازل تشير إلى دخول السعودية بصورة صريحة ومباشرة في معاهدة كامب ديفيد، ومحاولتها استخدام القيادة المصرية التي تلهث نحو ضمان الدعم الدولي والإقليمي لتمرير أو إعادة إحياء أي سياسة معينة.

ولعل ذلك ما نفهمه من إعادة السيسي الحديث عن المبادرة العربية التي طرحت من قبل السعودية عام 2002، لكن التساؤل هو لماذا تقوم مصر بإعادة طرح مبادرة وصفها شارون بأنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به؟ ولماذا الآن؟ ما الذي حدث من متغيرات قد تجعل تلك المبادرة ذات وجاهة الآن؟ خاصة أن كل التطورات على الأرض تشير إلى صعوبة قيام دولة فلسطينية من الناحية الواقعية، كما أن حكومة نتنياهو بعيدة عن تبني مبادرة مثل ذلك؟ ما الجديد الذي قد يدفع الإسرائيليين إلى تبني أي خيار يخص التسوية مع الفلسطينيين؟

في بعض الأحيان يبدو البعد عن المنطق في تحليل أو تقديم إجابات موضوعية لأسباب توجهات الزعماء العرب ذا وجاهة، من الصعب أن تفهم وتحلل العديد من القرارات مع شخصيات على درجة عالية من النرجسية تواجه ضغوطاً لإثبات الذات والاستمرار، ومن ثم قد لا يبدو غريباً أن نفهم رسالة السيسي في محاولة سعي الرجل للحصول على اهتمام إعلامي أو تقديم نفسه باعتباره وريثاً لخليط مشوه من إنجازات من سبقوه من الرؤساء، فالرجل قام بحفر تفريعة جديدة لقناة السويس كلفتنا مئات المليارات دون نفع أو طائل، لمجرد أن يبدو مثل عبدالناصر يحصل على بعض التمجيد أو الحضور الدولي، ثم هو الآن يعيد الحديث عن مبادرة ميتة ليتشبه بموقف السادات عند زيارته الكنيست، ثم يعقد قرضاً هو الأكبر في التاريخ المصري في ظل أحلك الظروف الاقتصادية لبناء مفاعل نووي في بلد لا يستطيع مواجهة الحرائق.

فإما أن هناك ترتيباً دولياً وإقليمياً فعلياً بالتنسيق مع حكومة نتنياهو -الذي أثبتت تسريبات بنما وجود تمويل سعودي لحملته الانتخابية- لترحيل الفلسطينيين إلى سيناء وإقامة حكم ذاتي داخل أجزاء من سيناء وقطاع غزة، أو أن ما يحدث محض هراء أو تصور ساذج لإمكانية تعاطي الإسرائيليين مع أي نداءات عربية رومانسية، كما كان تصور مرسي حول تعاطي المؤسسة العسكرية معه مقابل أي خطابات عاطفية عن رابطة الأخوة بين المصريين والمؤسسة العسكرية.

الحقيقة أن على النظام الحالي أن يدرك جيداً أن استمرار الدعم الدولي والإقليمي لن يكون مطلقاً في ظل فشل الإدارة الداخلية في التعاطي مع الأزمات الداخلية المتتالية ومع تنامي وجود داعش بسيناء وداخل السجون المصرية. النظام يخلق تدريجياً أعداء أكثر قسوة وشراسة ولا يمكن الاستمرار في المواجهة من خلال القمع والخطابات العاطفية أو استدعاء لحظات زعامة بائدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد