عاشت مدينة عدن الأحد 28 يناير/كانون الثاني 2018، يوماً دامياً بعدما اندلعت مواجهات بشكل مفاجئ بين مسلحين تدعمهم الإمارات والقوات الموالية للسلطة، قتل فيها 15 يمنياً على الأقل وأصيب عشرات، في تطور ينذر بفصل دام جديد في البلد الغارق في نزاع مسلح وأزمة إنسانية متفاقمة.
ودبَّت حالة من الرعب بين السكان المحليين، في المدينة التي عاشت فصولاً من الحرب الدامية بين المقاومة الشعبية ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، انتهت منتصف يونيو/حزيران من العام 2015، بانسحاب الأخيرين.
لكن اليوم المشهد مختلف، حيث تصاعد التوتر بين "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وهو تجمّع للانفصاليين الجنوبيين المتحالفين مع الإمارات، من جهة، وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، من جهة أخرى.
وكان الطرفان متحدين خلال الحرب ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران.
و"الانتقالي الجنوبي" هو كيان للحراك الجنوبي المنادي بانفصال شمال اليمن عن جنوبه، وشُكل أواخر أبريل/نيسان من العام المنصرم، بدعم من أبو ظبي، ويطالب اليوم باستعادة دولة اليمن الجنوبي التي كانت مستقلة في وقت من الأوقات.
وبموازاة دعم تشكيل المجلس، أنشأت الإمارات "قوات الحزام الأمني"، في محافظات عدن وأبين ولحج، و"النخبة الشبوانية" في شبوة، و"النخبة الحضرمية" في حضرموت، التي أعلنت الولاء للمجلس.
شوارع منقسمة
وقال مصدر عسكري لـ"عربي بوست"، إن حدة المواجهات تراجعت في المساء، بين قوات اللواء الأول مشاة التابع لـ"الانتقالي الجنوبي"، واللواء الثالث حماية رئاسية، التابع للحكومة، في حي خور مكسر، شرقي المدينة.
وقال إن الطرفين يسيطران على شوارع المدينة، دون تحقيق أي مكاسب عسكرية كبيرة، لأي طرف.
وأوضح: "يتقاسم الطرفان السيطرة في خور مكسر، بينما تسيطر قوات الانتقالي على الطريق البحري وسط المدينة، وأجزاء من حي البريقة غربي المدينة، وأجزاء من حي المنصورة، وسط".
وأضاف: "وتسيطر قوات الحماية الرئاسية على حي العريش، والمنفذ الشرقي للمدينة، وحي دار سعد في الشمال، وحي كريتر مركز المدينة".
وأشار إلى أن سيطرة القوات الموالية للانفصاليين المدعومين من الإمارات، على مبنى مقر الحكومة ومعسكر للحماية الرئاسية انتهت، حيث تراجعت تلك القوات إلى مواقعها السابقة.
وقال إن قوات الحماية لم تنجر إلى المواجهات، وهي لا تزال في معسكراتها، وما حدث هو "صدّ هجوم للقوات التي يقودها محافظ عدن السابق اللواء عيدروس الزُّبيدي".
ووفق المصدر فإن قوات الحماية الرئاسية انتشرت في الشوارع لتأمين المدينة، فقط، ولم تهاجم.
سيناريو 1986
وحتى اللحظة قُتل نحو 10 جنود من الطرفين، وعدد غير معروف من الجرحى، حسبما قالت وسائل إعلام محلية، نقلاً عن مصادر طبية.
وبدت شوارع المدينة مغلقة أمام المارة، وقال عبدالكريم صالح وهو أحد السكان لـ"عربي بوست"، إن الطرقات والمحالّ التجارية أُغلقت في وقت مبكر من صباح اليوم، فيما انتشرت العشرات من الآليات والمدرعات.
وأضاف: "نخشى من توسع دائرة العنف، فسيناريو مواجهات الـ13 من يناير عام 1968، لا يزال ماثلاً أمام السكان"، وحينها تفجّر الصراع بين جناحي "الزمرة" و"الطغمة" في الحزب الاشتراكي الحاكم لدولة جنوب اليمن آنذاك، وأسفر عن مقتل 11 ألف شخص في ظرف أسبوع فقط.
وعبّر صالح وهو موظف خدمات في مطار المدينة، عن خشيته من انهيار الوضع الإنساني في البلد المضطرب منذ 8 أعوام، وقال "تعبنا من الحرب والمواجهات والتفجيرات".
كيف تفجَّر الوضع؟
وتعود أسباب الخلاف بين الطرفين إلى يوم الأحد الماضي، حيث طالب "الانتقالي الجنوبي" الرئيس عبدربه منصور هادي، بإقالة حكومة أحمد بن دغر التي يتهمها بالفساد، وأعلن معها مهلة أسبوعاً واحداً لتعيين حكومة جديدة.
لكن الخلاف يعود إلى نقطة أعمق بكثير، فتصعيد "الانتقالي" جاء بعد يومين فقط من زيارة السفير السعودي إلى عدن، محمد آل جابر، وإعلان حكومة بلاده دعم سلطات الرئيس هادي وحكومته، حسبما قال مصدر حكومي لـ"هاف بوست".
وأضاف: "لم يقف الأمر عند ذلك، بل دعت السعودية إلى تسليم الموانئ التي كانت خاضعة للقوات الموالية للإمارات، إلى السلطات الحكومية، ودعمها الحكومة اليمنية للبدء في هيكلة القوات العسكرية والأمنية".
وأشار إلى أن الإمارات شعرت بأنها المستهدف الأول من تلك الخطوات.
وقال المصدر "الإمارات أوعزت للانتقالي الجنوبي الذي يمثل بيدقاً لها في جنوبي اليمن، للتصعيد ضد الحكومة، دون مقدمات"، لتنفجر الأوضاع اليوم.
تمرد كامل
ويقول نائب رئيس تحرير صحيفة 14 أكتوبر الحكومية، عبدالرقيب الهدياني إن ما يحدث في عدن، هو "معارك بين الحكومة الشرعية ومتمردين، محسوبين على الإمارات".
وقال: "يبدو أن زيارة السفير السعودي والخطوات التي تلتها، ستحد من نفوذ الإمارات في عدن، التي عملت خلال الثلاث السنوات على إضعاف الحكومة مقابل طموحها في السيطرة على الموانئ والجزر".
وتابع: "حاولت الإمارات أن تصعّد عبر الانتقالي وأدواتها في اليمن، لعلها تحصل على امتيازات أو تنازلات لحساب طموحاتها، لكن الحكومة رفضت، مما دفعها إلى المواجهة ضد الحكومة".
ووفق الهدياني الذي يسكن في المدينة، فإن المواجهات تلقي بظلالها على الصمت السعودي، حيال إسقاط الحكومة الشرعية، الذي سينعكس على مشروعية تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وأشار إلى أن مشروعية تدخل التحالف جاءت عبر مطالبة الحكومة الشرعية في مطلع 2015 بالتدخل لوقف سيطرة الحوثيين على مدن ومحافظات البلاد "ولذلك ننتظر موقفاً سعودياً ينهي هذا التمرد".
مدرعات إماراتية
وقال قائد اللواء الرابع حماية رئاسية، الموالي للرئيس هادي، العميد مهران القباطي في تصريح لقناة اليمن الحكومية، إن "مدرعات الإمارات هي من هاجمت مؤسسات الدولة في مدينة عدن اليوم الأحد، وأنا مسؤول عن كلامي".
وأضاف: "انكشفت الأوراق وانكشف الداعم، واتضح من يدعم هؤلاء المرتزقة (الانتقالي الجنوبي)".
من جهته، هاجم رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن دغر، موقف الإمارات من الأحداث، وقال: "لا ينبغي أن تذهب جهود العرب ودماؤهم في اليمن إلى سقوط الوحدة وتقسيم اليمن".
وقال في كلمة له نشرتها وكالة الأنباء المحلية "سبأ"، إن "الأمل كما نراه معقود على الإمارات، صاحبة القرار اليوم في عدن"، في إشارة إلى دعمها للانتقالي الجنوبي.
دعوات للتهدئة
لكن رئيس الحكومة دعا إلى وقف إطلاق النار فوراً، وعودة جميع القوات إلى ثكناتها.
وطالب بحسب الوكالة، القادة العسكريين إلى توجيه جميع الوحدات العسكرية بوقف إطلاق النار فوراً، وأن تعود جميع القوات إلى ثكناتها، وإخلاء المواقع التي تمت السيطرة عليها، صباح اليوم، من جميع الأطراف دون قيد أو شرط.
ويأتي ذلك بعد ساعات من دعوة مماثلة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، حيث طالب جميع المكونات السياسية والاجتماعية اليمنية بالتهدئة وضبط النفس، وتلافي أي أسباب تؤدي إلى الفرقة.
أما "الانتقالي الجنوبي" فقد أعرب عن التزامه بـ"السلمية والحوار"، لحل الأزمة مع الحكومة الشرعية.
وقال بيان للمجلس، على موقعه الإلكتروني، إن المجلس "يؤكد تفاعله الإيجابي والاستجابة الكاملة مع جهود ومساعي دول التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، في حل هذه الأزمة".
وأضاف أنه يثمن دعوة التحالف العربي إلى التهدئة.
ووصف ما يحدث في عدن بأنه "تصعيد شعبي ضد الاختلال الحكومي في مختلف الجوانب".
وشدّد على "التزامه بالنهج السلمي في المطالبة بتغيير الحكومة، والوقوف على الاختلالات في كافة المحافظات والوزارات، التي انعكست سلباً على توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة للمواطن".
صراع على الاستقلال
ويرى المحلل السياسي محمد سعيد الشرعبي، أن ما يحدث في عدن صراع ظاهره على السلطة والثروات، وباطنه بين مشروع استقلال الجنوب الذي ينشده "المجلس الانتقالي"، والحكم الفيدرالي الذي ينشده الرئيس هادي.
وأشار إلى أن مطالب "الانتقالي" في إسقاط حكومة بن دغر مطلب رُفع قبل نهاية العام الماضي، وبدأ التنفيذ العملي اليوم.
وتابع في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "هناك جهوداً الآن لأطراف يمنية والتحالف لوقف إطلاق النار والتهدئة، تمهيداً للاستجابة لمطالب المجلس الانتقالي، وقد يصلون إلى حل وسط يعلن بموجبه تشكيل حكومة جديدة".
ووفق الشرعبي فإن التصعيد الجنوبي قد يعجّل بتنفيذ مشروع إعادة "هيكلة الحكومة الشرعية"، الذي يتبناه نائب الرئيس السابق خالد بحاح، الذي أقاله هادي في أبريل/نيسان من العام 2016، وتدور نقاشات جادة حوله في كواليس صناع القرار.
وقال إن الأزمة ستنتهي إلى دخول "المجلس الانتقالي" بشراكة حقيقية في الحكومة القادمة.
بينما يرى الهدياني أن السيطرة على عدن من قِبل أي طرف مستبعدة تماماً، بل ستكون فرصة للحوثيين للتمدد مجدداً والسيطرة على المدينة، أو إعادة انتشار العناصر الإرهابية التي شنّت هجمات عدة في المدينة.