يشعر كثير من المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية ممن لهم تواصل مع الشباب بقلق عليهم، وعلى ما بدأ يصيب بعض شخصيات منهم، شباب وفتيات، مما بدأ يتسرب إلى بعضهم بما سمي بظاهرة الإلحاد، وأنها موجة عاتية سرت بين بعضهم، وموجة أخرى من التشكك في الثوابت الدينية، فأصبحنا نرى بيننا من يطلق عليه (ملحد).
وإن كان لي رأي ذكرته في مقال بعنوان: (ملحدون بلا إلحاد)، أن مصطلح ملحد لا ينطبق على كثير من هؤلاء الشباب ممن يطلق عليهم (ملحدون)، لأن الملحد هو من درس الأديان فاكتشف عدم صلاحيتها، أو عبثية قيامها ووجودها. وهو ما لم يحدث في كثير من هذه الحالات بل في معظمه.
إن وجود حالات بالفعل تُلحد، أو تتشكك في الدين، لا يصيبنا بهذا القلق الكبير، ليس تهوينا من أمر الإلحاد، بل لأن الإلحاد لو كان طريقه للشاب أو الشخص القراءة والعلم واستخدام العقل، فيقينا لن تصل به القراءة المتعمقة والطويلة إلا إلى الإيمان بالله سبحانه، وهو عكس ما يظنه بعض الدعاة والشيوخ، أن دراسة الفلسفة واستخدام العقل يودي بالإنسان للإلحاد والتشكك في الثوابت.
وهو كلام ينطلق من عدم دراية بالفلسفة والعلوم العقلية، فمن أهم فلاسفة أوروبا (فرانسيس بيكون) الذي يقول عن الفلسفة: قليل من الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد، والتعمق في الفلسفة يؤدي إلى الإيمان. وهو ما قاله العالم الإسلامي الكبير الشيخ نديم الجسر في كتابه: (قصة الإيمان): الفلسفة بحر لا ككل البحور، فمن وقف على أول ساحله ألحد وغرق، ومن تعمق في لججه وغاص فيه آمن ونجا.
وقد حفل تاريخ الإلحاد المعاصر برؤوس ورموز للإلحاد، ظنوا أن العلم يصادم الإيمان بالله، فلما تعمّق في العلم قاده إلى أن يسلم بأنه لا إله إلا الله، فمن كان يطلق عليه أشرس الملاحدة المعاصرين (أنتوني فلو) الذي ظل ما يقارب السبعين سنة ملحدا، ويدعو للإلحاد، وينظِّر له، قبل وفاته ببضع أعوام أعلن أنه يؤمن بالله، في سنة 2007م، في كتابه: (There is God) (هناك إله). وحتى (براتند رسل)، قال: في العقل ثقب لا يسده إلا الإيمان بالله.
و(ميشيل عفلق) الذي كان من دعاة (البعث)، بل من كبار رموزه والمؤسسين له في بلادنا العربية، عندما مات اكتشفوا وصيته التي أوصى فيها: أن يصلى عليه ويدفن كما يدفن المسلمون، وأنه مات مسلما!!
وروجيه جارودي الذي كان منظرا ماركسيا كبيرا في فرنسا، هداه عقله وبحثه في نهاية الأمر إلى أن يسلم، ويصبح واحدا من أهم الشخصيات الأوربية التي تدافع عن الإسلام.
ومن مصر رأينا شخصيات كثيرة مرت بالإلحاد اقتناعا، ثم اعتناقا، ثم انتهى بهم الأمر مؤمنين من أعظم من دافعوا عن الإيمان، ودعوا إليه، فمن هؤلاء: منصور فهمي الذي كتب كتابا في منتهى السوء والتطاول على أمهات المؤمنين، ونال به درجة علمية من فرنسا، ثم آمن في قصة مؤثرة بليغة.
وكذلك الدكتور مصطفى محمود، والدكتور عبد الوهاب المسيري، وغيرهم. والسلسلة طويلة من الشخصيات التي لو ذكرنا مجرد أسماء لطالت بنا، وهو ما أتناوله في مقالات منفصلة عن كل شخصية إن شاء الله، لنتعرف على سر وسبب إلحاد كل منهم، وسر إيمانه، وما الأمر الذي قاده لأن يؤمن بالله وحده لا شريك له.
كل ما يهمنا ألا نتخذ موقفا معاديا للعلم، أو مغلقا لنوافذ العقل، أو سدًا لباب الحوار معهم، متسلحين في ذلك بالعلم اليقيني المقنع، وبكل وسيلة مقنعة محببة، كل ذلك بلطف ولين ورحمة مع هؤلاء الشباب، فإذا كان الله عز وجل قد قال عن خير خلقه صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران: 159، النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانت الصحابة تبذل لأجله مهجهم وحياتهم، قال عنه الله عز وجل، لو عاملهم بالغلظة والفظاظة لانفضوا من حوله!
– تم نشر هذه التدوينة في موقع عربي21
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.