ستدفع الحكومة الأسترالية ومتعهِّدو الاحتجاز التابعون لها في الخارج أكثر من 70 مليون دولار تعويضاً لما يقارب من 2000 لاجئ وطالب لجوء بسبب احتجازهم بشكل غير قانوني في ظروفٍ خطيرة ومُضِرَّة بجزيرة مانوس، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
وقد سوَّت الحكومة، الأربعاء 14 يونيو/حزيران، دعوى جماعية أقامتها شركة محاماة "سلاتر وغوردن – Slater and Gordon" نيابةً عن 1905 لاجئين وطالبي لجوء احتُجِزوا على الجزيرة، وذلك بدلاً من المضي قُدُماً في محاكمة تستمر 6 أشهر وكان من شأنها أن تتضمَّن تقديم أدلة أمام المحكمة من المحتجزين بشأن عمليات قتلٍ داخل مركز الاحتجاز، والاعتداء الجنسي والجسدي المُمَنهَج، وعلاجٍ طبي غير ملائم يُفضي إلى الإصابة والموت.
وكانت المحكمة العليا في بابوا غينيا الجديدة قد حكمت بأنَّ مركز الاحتجاز "غير قانوني ومخالف للدستور" في أبريل/نيسان 2016. ولا يزال المركز عامِلاً ويضم ما يقارب 900 رجل، لكن من المُقرَّر إغلاقه في أكتوبر/تشرين الأول هذا العام.
ووافقت الحكومة الأسترالية ومُتعهِّدوها على دفع تعويضاتٍ تبلغ 70 مليون دولار بالإضافة إلى النفقات.
وقالت شركة سلاتر وغوردن إنَّ النفقات ستصل إلى 20 مليون دولار. لكنَّ مصدراً في دائرة الهجرة أخبر صحيفة "الغارديان" البريطانية بأنَّ النفقات الكلية قد تتخطى 100 مليون دولار.
تسوية بشروط
وجرى التوصُّل إلى التسوية بشرط نفي الحكومة الأسترالية لأي وكل مسؤوليةٍ عن سوء المعاملة والسجن الوهمي لأشخاصٍ على جزيرة مانوس.
ولم تُعلَن أقسام المال التي ستدفعها كل من الحكومة الأسترالية، وشركة "جي فور إس – G4S" للخدمات الأمنية، ومؤسسة Broadspectrum، لكن من الممكن أن تدفع شركة "ويلسون سيكيوريتي – Wilson Security"، التي قاضتها مؤسسة Broadspectrum وجعلتها مُدَّعياً عليه ثانوي في الدعوى الجماعية، جزءاً من التسوية.
وكان المُدَّعي الرئيسي في هذه الدعوى هو الإيراني المسيحي ذو الـ35 عاماً، مجيد كاماسائي، الذي نزح من موطنه للفرار من الاضطهاد الديني العنيف. وقال إنَّ التسوية تُمثِّل اعترافاً طال انتظاره بالمعاناة غير الضرورية التي تعرَّض لها أولئك الذين أُرسِلوا إلى جزيرة مانوس.
وقال كاماسائي: "القضية لا تتعلَّق بي فقط، إنَّها تتعلَّق بكل شخصٍ عَلِق في جزيرة مانوس".
وأضاف: "جئتُ إلى أستراليا طلباً للسلام، لكنَّني أُرسَلت إلى جزيرة مانوس، التي كانت جحيماً. لقد شعرتُ بالألم في كل دقيقةٍ من كل يوم، وقد بكيتُ في كل ليلةٍ إلى أن لم يتبق لدي شيء".
وقال كاماسائي إن علاجه في مركز الاحتجاز بجزيرة مانوس كان مهيناً وقاسياً. وأضاف: "للأسف، الكثير من أصدقائي لا يزالون هناك".
وأضاف: "لم تُسمَع أصواتنا قط، لكن اليوم يجري سماعنا، وآمل أن يكون بالإمكان إنهاء معاناة كل شخص يعاني بأسرع ما يمكن".
وضمَّت الدعوى الجماعية – حتى دون أن تمضي قُدُماً للتحول إلى محاكمة – 200 بيانٍ من الشهود، و200 ألف وثيقة، وأكثر من 50 جلسةٍ قضائية. وقد أوردت تفاصيل مزاعم سوء المعاملة من جانب المحتجزين أنفسهم، فضلاً عن أدلةٍ داعِمة لتلك المزاعم من عمال صحة وخبراء أمن.
وقال أندرو بيكر، المحامي الرئيسي في شركة سلاتر وغوردن، إنَّ الأشخاص المحتجزين على جزيرة مانوس قد مرَّوا بظروفٍ عدوانية للغاية، لكنَّهم رفضوا أن يعانوا بصمت. وتابع: "كان معظمهم يفر من الاضطهاد والعنف الديني وأتوا إلى أستراليا ساعين وراء الحماية، لكنَّهم فقط حُرِموا من حقوق الإنسان الأساسية".
وأضاف: "في حين أن أي مبلغٍ من المال لا يمكن أن يعكس بشكلٍ كامل الظروف المروِّعة التي مرَّ بها المحتجزون، نأمل أن تتمكَّن تسوية اليوم في البدء بمنحهم فرصةً للمساعدة في ترك هذا الفصل المُظلِم من حياتهم وراءهم".
وعند سؤاله عمَّا إذا كان يعتقد أنَّ الحكومة الأسترالية سوَّت القضي لتتجنَّب التدقيق في ظروف الاحتجاز داخل محكمةٍ مفتوحة، قال روري والش، قائد المجموعة المُختصة بالدعوى في مكتب سلاتر وغوردن: "نعم".
والش أوضح أن الحكومة، بنفيها للمسؤولية كشرطٍ للتسوية، كانت قادرةً على الاستمرار في استخدام هذه الحُجّة في قضايا أخرى تتضمَّن جزيرتي مانوس وناورو.
وأضاف: "المدى الذي تُقوِّض به 70 مليون دولار بالإضافة إلى النفقات قدرتهم على فعل ذللك، أو ما إذا كانت بالفعل تجتاز اختبار الوضع الحالي، هي مسألة متاحة أمام الآخرين للتعليق عليها".
وقال بيتر دوتون، وزير الهجرة الأسترالي، إنَّ التسوية في القضية لم تكن إقراراً بالمسؤولية، وإنَّ الحكومة "تُفنِّد وتنفي بشدة الادِّعاءات التي تخرج بشأن هذه الإجراءات".
وأشار إلى أنه "كان من شأن معركةٍ قانونية يُتوقَّع أن تستمر 6 أشهر وأن تتكلَّف عشرات الملايين من الدولارات كرسومٍ قانونية فقط، وستكون النتيجة مجهولة. وفي ظروفٍ كتلك، اعتُبِرَت التسوية نتيجة حكيمة لدافعي الضرائب الأستراليين".
وقال دوتون إنَّ دائرة الهجرة وحماية الحدود هي أكثر دائرة عُرضة لأن تكون طرفاً في الدعاوى القضائية في الكومونولث، مع عدد قضايا نشِطة يبلغ 5800 مسألة تقريباً. وبلغت النفقات القانونية في العام المالي الماضي أكثر من 70 مليون دولار.
وأكد أنَّ تكلفة سياسات الحدود الأسترالية تبلغ 13.7 حتى الآن، واتَّهم حزب العمال، الذي أعاد فتح مركزي احتجاز جزيرتي مانوس وناورو في 2012، بفقدان السيطرة على الحدود الأسترالية.
إلّا أن الصحفي واللاجئ الإيراني بهروز بوشاني قال لصحيفة الغارديان من جزيرة مانوس إنَّ التسوية تُمثِّل إقراراً من الحكومة الأسترالية بأنَّ سياستها لاحتجاز اللاجئين خارج أستراليا غير قانونية.
وقال: "الناس سعداء للغاية لأن تلك هي المرة الأولى التي يشتمَّون فيها قليلاً من رائحة العدالة من أستراليا. وأنا أقول "قليلاً فقط" لأنَّنا لا نزال لا نعلم كيف يُخطِّطو لدفع التعويض. لقد أبقت الحكومة على الناس في هذا السجن 4 سنوات وعليها أن تستجيب للأشخاص الذين ألحقت بهم أضراراً جسدية ونفسية". وأضاف: "إنَّ ذلك يُظهِر أنَّ الحومة أدركت أنَّها قد ارتكتب جريمة بإرسالها لنا إلى ذلك السجن. ويُثبِت أنَّ الحكومة قد كذبت على الناس".
سعادة كبيرة
وقال اللاجئ السوداني عبدالعزيز محمد إنَّ التسوية قد منحت الرجال المحتجزين أملاً. وقال: "أشعر بسعادةٍ كبيرة أنَّ الحكومة الأسترالية قد اعترفت على الأقل بما فعلته لنا على مدار السنوات الأربع الأخيرة". وفي سبتمبر/كانون الأول الماضي، أثارت وفاة لاجئ سوداني بعد مرضه لعدة شهور، حيث طالب نشطاء بلجنة صحية للكشف على اللاجئين فى مراكز الاحتجاز الأسترالية بالجزيرة.
وقد رُفِعَت الدعوى الجماعية، التي أقامتها شركة محاماة سلاتر وغوردن أمام محكمة ولاية فيكتوريا العليا في ديسمبر/كانون الأول 2014، نيابةً عن 1905 لاجئين وطالبي لجوء احتُجِزوا في مركز المعالجة الإقليمي بجزيرة مانوس بين نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وديسمبر/كانون الأول 2014.
وقد تضمَّنت تلك الفترة أعمال شغب في فبراير/شباط 2014 أُصيب فيها أكثر من 70 مُحتجزاً بجروحٍ خطيرة. وعلى مدى 3 أيام من العنف، أطلقت الشرطة النار على اللاجئين، كما طُعِن اللاجئون وجُرِحت أعناقهم فيما يشبه الذبح حينما اجتاح مثيري شغبٍ من الخارج المخيم. وقُتِل الإيراني رضا براتي على يد حراس الأمن.
وفي 2016، أُضيف ادّعاءٌ ثانٍ بالسجن الوهمي إلى الدعوى الجماعية، وذلك بعدما حكمت المحكمة العليا في بابوا غينيا الجديدة بأنَّ احتجاز طالبي اللجوء كان مخالفاً للقانون والدستور.
واتهمت مجموعاتٍ قانونية وحقوقية الحكومة بالموافقة على التسوية بهدف تجنُّب سماع الأدلة المُتعلِّقة بالظروف داخل المعسكرات السرية خارج أستراليا في محكمةٍ مفتوحة.
وقال دانيال ويب من مركز قانو حقوق الإنسان، إنَّ القضية كنت "إقراراً مهماً طال انتظاره بأنَّها سبَّبت، وعن علم، ضرراً بالغاً بأشخاص أبرياء في رعايتها".
وأوضح أنَّ الرجال الذين لا يزالون محتجزين يجب أن يجري إحضارهم إلى أستراليا على الفور. وقال: "إنَّ إنفاق المال على انتهاكات الأمس لن يُوقِف انتهاكات اليوم. لا يزال 900 رجل يسيرو على طريقٍ مؤلم وخطير إلى اللامكان. لقد أُطلِق النار على هؤلاء الرجال، وضُرِبوا، واحتُجِزوا بصورةٍ مخالفةٍ للقانون. كما عانوا من عذابٍ عقلي لعدم معرفة أين أو ما إذا كانت محنتهم ستنتهي أبداً. إنَّ جزيرة مانوس ليست مكاناً آمناً لهم".
وأشار ماتيو فيليبس، مدير مجموعة "انهضوا – GetUp" لحقوق الإنسان إلى أنَّ التسوية كانت إقراراً بأنَّ مراكز الاحتجاز الأسترالية في الخارج هي بيئاتٌ انتهاكية بطبيعتها. وقال: "لا تسيئوا الفهم – إنَّ هذا مالٌ مقابل الصمت".
وفي وقت سابق، وبحسب تقرير لهاف بوست، أثارت حادثة اغتصاب فتاة صومالية بمركز للاجئين في أستراليا الجدل حول قسوة قوانين الدولة التي تمنع دخول المهاجرين إليها عبر البحر، ووجه حقوقيون الانتقادات للحكومة الأسترالية التي لم تقدم أي حل لأزمة الفتاة، وتتجاهل مئات اللاجئين وتعزلهم في جزيرة بالمحيط الهادي.