عقد المرشحان للانتخابات الرئاسية الأميركية الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون، مساء الاثنين 19 سبتمبر/أيلول 2016، لقاءً دبلوماسياً مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
رغم أن ما تم في الاجتماع لم يكن متاحاً بشكل كبير لوسائل الإعلام، بسبب تضييق الوفد المرافق للسيسي على الصحفيين ولم يتح لهم حضور اللقاء إلا لدقيقة واحدة، لكن ما تم تسريبه من اللقاء يكشف عن مستقبل العلاقة بين النظام المصري بقيادة السيسي وبين أي من المرشحين الأميركيين.
وكان السيسي قد وصل إلى سدة الحكم بعيد انقلاب عسكري في يوليو/تموز 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي انتخب ديمقراطياً بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
وبانقلاب السيسي الذي كان القائد السابق للقوات المسلحة المصرية آنذاك بدأ عهدٌ من العنف السياسي خلف أكثر من 1000 قتيل، كما استهل السيسي عهده بحركة قمعٍ أفضت بـ40 ألف شخص في السجون والزنازين، منهم محتجون وطلبة وصحفيون. ثم غدا السيسي رئيساً عام 2014 بعد عملية انتخاب رأى كثيرون أنها معدة النتائج مسبقاً.
إن نجحت كلينتون في الانتخاب فليس متوقعاً منها أن تجري تغييرات جذرية في السياسة الأميركية تجاه مصر؛ أما في حال نجح ترامب فالعككس هو الصحيح لأن ترامب لطالما عبر عن إعجابه بعدد من القادة الاستبداديين بدءاً فلاديمير بوتين الذي قال عنه إنه رئيس قوي، وانتهاء بالرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي مدحه وقال عنه إنه كان خير من يقضي على "الإرهابيين". ويخشى الحقوقيون المدافعون عن حقوق الإنسان أن ترامب إن انتخب رئيساً فسيزيد من دعم الولايات المتحدة للسيسي الذي يظهر نظام حكمه بمظهر القلعة الصادمة في وجه المجموعات المتطرفة.
محمد أحمد باحث في الشأن المصري بمنظمة العفو الدولية يقول: "نسمع أن ترامب سيدعم السيسي في تلك الحرب المزعومة على الإرهاب، ما سيؤدي إلى مزيد من قمع الحقوق الإنسانية وتضخم التدهور في وضع حقوق الإنسان في مصر."
وكانت حكومة أوباما قد حافظت على مسافة ما بعيداً عن حكومة السيسي، فجمدت أميركا صفقة أسلحة مع مصر بعيد انقلاب 2013، بيد أنها فكت التجميد في مارس/آذار 2015 لتقدم لمصر مقاتلات F-16 والدبابات المصفحة. قرارها هذا بدا أنه جاء استجابة لأولوية القتال الدولي ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" على حساب إيلاء الأهمية لمخاوف حقوق الإنسان، وبهذا قبلت أميركا بالنظام المصري الذي يخوض حربا ضد مسلحين مرتبطين بداعش في شبه جزيرة سيناء ويعمل على حفظ أمن صحراء حدوده مع ليبيا حيث تمكنت داعش من تأسيس وجودها وسط المعمعمة والفوضى التي عصفت بليبيا وحربها الأهلية.
وكانت كلينتون قد اضطلعت بدور معقد في العلاقات الأميركية مع مصر خلال سنين عملها في منصب وزيرة الخارجية ضمن إدارة أوباما. ولما انطلقت الاحتجاجات المصرية مطالبة بالحرية السياسية في ثورة يناير 2011 عبرت كلينتون عن ثقتها بحكومة مبارك قائلة للصحافة في 25 يناير/كانون الثاني 2011: "في تقديرنا أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن سبل للاستجابة للمطالب الشرعية للشعب المصري ومصلحته". لكن كلينتون مع نهاية يناير بدأت تدعو إلى "انتقال سلمي ونظامي نحو نظام ديمقراطي". ثم ما لبث أن قتل 800 متظاهر خلال 18 يوماً قبل تنحي مبارك رسمياً وإنهائه لحكم متعسف دام 3 عقود.
في عام 2009 كانت كلينتون قد قالت إنها تعد مبارك وزوجته سوزان أصدقاء عائليين، ثم خلال ذروة الثورات العربية قالت كلينتون محذرة بلهجة واقعية من الآثار السلبية لتنحية مبارك حليف أميركا العتيد. وقتها عبر بعض المعارضين المصريين عن خيبة أملهم لعدم وقوفها صراحة مع الاحتجاجات الداعية إلى إنهاء الحكم الاستبدادي حول العالم العربي.
يقول محمد أحمد: "كان تصريحها واضحاً أمام ملايين المحتشدين في الشوارع المحتجين على نظام حسني مبارك. في البداية لم تكن قلباً و قالباً مع التغيير، لذا نتوقع أنها ستستمر كذلك على الأرجح في سياسة أميركا الخارجية".
وفيما عاب حقوقيو الإنسان على كلينتون تباطؤها في نبذ مبارك وعلى أوباما في قبوله أخيراً بالسيسي رغم ميوله الاستبدادية، فإن ترامب طيلة حملته الانتخابية انتقد إدارة أوباما على رفعها الدعم عن مبارك، فقال ترامب في خطاب له عن السياسة الخارجية في أبريل/نيسان، مشيراً إلى أوباما: "لقد وقف مع تنحية نظام صديق في مصر تربطه معاهدة سلام وثيقة مع إسرائيل،" بيد أن ترامب في المقابل عام 2011 كان هو نفسه يكيل الانتقادات لمبارك مرحباً بتنحيته.
وتستمرالمؤسسات الرسمية المصرية بتقييد انتقادات الدولة، ففي يوم السبت حكمت محكمة بالقاهرة بتجميد أموال وممتلكات 5 من أهم ناشطي حقوق الإنسان في مصر، وتخشى المجموعات الحقوقية أن هذه الخطوة قد تمهد الطريق لقمع البقية المتبقية من الناشطين الذين يوثقون انتهاكات الدولة. وقد منع 12 من المدافعين عن حقوق الإنسان من مغادرة البلاد.
كذلك وثقت مجموعات حقوق الإنسان مئات حالات الاختفاء التي يحتجز فيها الموقوفون سراً ودون اعتراف من الدولة باحتجازهم. ووفقاً لجدول بمجموع أعدادهم أعدته لجنة حماية الصحفيين فإن مصر احتجزت في سجونها 23 صحفياً أواخر عام 2015، وهو رقم يضعها في المرتبة الثانية بعد الصين في حبس الصحفيين.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Time الأميركية . للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.