الثورة السورية تكشف زيف البديهيات

وعلى كل حال ليس هنا بيت القصيد، إن المدهش وما يضع العقل في الكف كما يقول المثل الشامي، هو أن المسيحيين وهنا أقصد القيادات والساسة، وعلى رأسهم الجنرال ميشيل عون، وقف إلى جانب نظام الأسد، على عكس التوقعات الطبيعية لأي إنسان طبيعي يمتلك القليل من المنطق والقليل من الكرامة الإنسانية، حيث لا يقبل الإنسان للظالم أن يبقى إلى الأبد خطراً يهدده كشخص وكشعب إلى ما لا نهاية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/02 الساعة 03:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/02 الساعة 03:16 بتوقيت غرينتش

يعرف معظم الباحثين بالشأن السوري كيف شقي هذا الشعب بحكومته قبل الثورة وبعدها، حيث أباح نظام حافظ الأسد للجيش السوري استباحة لبنان بكافة الأشكال، الاستباحة عندما تلّقى ضوءاً أخضر أميركياً للتدخل في لبنان تحت ستار حماية المسيحيين أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وفي الحقيقة يروي لنا القادمون من لبنان -من العسكر السوري- كيف عاثوا فساداً في لبنان، والحقيقة فعل العسكر ما فعله بالمسيحيين وغير المسيحيين ما فعله إلا من أكرمه الله، كما يقول المثل، وكان من الطبيعي أن يحقد المجتمع اللبناني على المجتمع السوري كردة فعل لما فعله العسكر، لكن ربما لا يعلم اللبنانيون أن النظام تعامل بهذه الصورة وأسوأ مع كل مكونات الشعب السوري.

وعلى كل حال ليس هنا بيت القصيد، إن المدهش وما يضع العقل في الكف كما يقول المثل الشامي، هو أن المسيحيين وهنا أقصد القيادات والساسة، وعلى رأسهم الجنرال ميشيل عون، وقف إلى جانب نظام الأسد، على عكس التوقعات الطبيعية لأي إنسان طبيعي يمتلك القليل من المنطق والقليل من الكرامة الإنسانية، حيث لا يقبل الإنسان للظالم أن يبقى إلى الأبد خطراً يهدده كشخص وكشعب إلى ما لا نهاية.

وتوقعت كغيري من البسطاء وغير البسطاء، أن الشعب اللبناني سيقف إلى جانب الشعب السوري للتخلص من الطاغوت الذي يهدد كلا البلدين، لكن لا تبقى الثورة السورية كاشفة لوجه بعض الساسة اللبنانيين وحسب، إنما كشفت هذه الثورة لأولئك الذين يتغنون بمظلومية آل البيت، وكيف أنهم قبلوا بالظلم الذي مارسه ويمارسه نظام الأسدين، في حق إخوة لهم مسلمون، كيف سكت النظام الإيراني على أولئك الشبيحة الذين كانوا يجبرون المتظاهرين على السجود لصورة الأسد، والقول لا إله إلا الأسد، دون أن تهتز لهم شعرة، إنما ذهبوا إلى الدفاع عن هذا الطاغوت ودعموه بالمال والسلاح والقتال إلى جانبه فقط؛ لأن الرجل ينتمي إلى طائفة انشقت عنهم في سالف الأزمان -بغض النظر عن المصالح والولوج في سوريا- وهكذا كشفت الثورة السورية الزيف الأيديولوجي الذي ينادي به ساسة هذا المذهب.

ولم تكتفِ هذه الثورة بهذا فقط، بل أظهرت الحقائق الخفية والشعارات الطنانة الكاذبة، بل ذهبت هذه الثورة لتكشف الوجه الحقيقي لمعظم الأنظمة التي ادعت صداقتها للشعب السوري، كيف كانت تمد له السلام باليمين، وتطعن هذا الشعب بخنجر مسموم باليسار، وما لفت انتباهي وأنا أشاهد برنامج ساعة حرة على قناة الحرة، كيف يتهم باحث سعودي قطر (أنور عشقي) بأنها تحالفت مع أحد مراكز الدراسات الأميركية التي تشجع على الربيع العربي، وهذا يعني أن الربيع العربي تحول إلى تهمة، وصار البعض من المثقفين العرب يطلبون من السوريين العودة إلى سجون الأسد، فقط لأنه يخشى على رفاهيته التي يجب أن تكون على حساب هذا الشعب، وكأني بهم يقولون للشعوب العربية، لكي نبقى مرفهين، عليكم للعودة إلى الظلم والسجون، وتنازلوا عن كرامتكم لكي ننعم نحن بالكرامة.

وتستمر هذه الثورة بالكشف عن الأقنعة لنجد حليفاً للثورة السورية، من اغتال نظام الأسد والده، وأهان شعبه، واتهمه الدراميون الموالون للأسد بقتل والده، يمجد الجيش اللبناني الذي قتل اللاجئين السوريين لأسباب عنصرية.

لا يتسع هذا المقال للحديث بالتفصيل عما كشفته هذه الثورة في الداخل السوري، وكيف عاد بعض السياسيين السوريين إلى بيت طاعة الأسد، بعد أن علموا أن الثورة قد طال مكوثها.

أخيراً كشفت هذه الثورة أنه لا بد للباحثين في العلوم السياسية والإنسانية من إعادة النظر في كل البديهيات في كلا العِلمين والتعمق أكثر لإيجاد علم سياسي آخر يقول للطلبة حقيقة الإنسان دون أي زيف وتجميل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد