كيف نفهم مشاعر القلق؟

ذهب كثير من الباحثين إلى تسمية العصر الحالي "عصر القلق".

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/28 الساعة 01:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/28 الساعة 01:34 بتوقيت غرينتش

غالباً ما ينتاب كل شخص منا شعور بالقلق من وقت إلى آخر، حيث يعتبر القلق هو العنوان البارز في عصرنا الحالي، وقد ذهب كثير من الباحثين إلى تسمية العصر الحالي "عصر القلق".

في واقع الأمر، من الممكن أن يكون القلق إيجابياً، وليس كل قلق مؤشراً على خطر ما، فهناك حالات يكون القلق فيها مفيداً، يجب علينا أن نقلق بخصوص بعض الأمور في حياتنا، وهذا ما نسميه القلق الصحي أو العادي.

ويمكن أن يكون القلق إيجابياً إذا كان سيلعب دوراً أساسياً في دفع الشخص لحل مشكلة ما أو تجاوزها، بشرط أن ينتهي بانتهاء الموقف، كما يحصل مثلاً عندما نرشد طلابنا في الاختبارات لتحفيزهم وإثارة دافعيتهم نحو النجاح والإنجاز.

ومع ذلك، فهناك بعض الأشخاص يقلقون أكثر مما ينبغي؛ أي يبالغون في قلقهم وتوقعاتهم وردود فعلهم نحو أمر ما، وفيما يتعلق بهذه النوعية من القلق الذي يعتبر محور هذه التدوينة، كيف يفهم الشخص مشاعره ويسيطر على القلق المفرط؟

يمكن القول إن الشخص الذي يعاني ضغوطاً نفسية تظهر على شكل نوبات قلق مفرط ومبالَغ فيه، إن مثل هذا النوع من القلق قد يحرم هؤلاء الأشخاص بهجة وقيمة الحياة ومعنى السعادة، كما يؤثر سلباً على نشاطهم وأعمالهم اليومية.

وفي حالة وصل القلق الى الدرجة المزمنة، فإن ذلك يسبب للشخص الكثير من مشاعر التوتر النفسي والاعتلال الجسمي، وصعوبة إدارة الحياة بشكل يتوافق مع المحيط الاجتماعي للشخص، من هنا يجب على الشخص المحافظة والسيطرة على مشاعره وأفكاره كضرورة لإدارة الضغوط بشكل فعال والتحكم في مجريات حياته بسيطرة وفاعلية؛ ليستمتع بمعنى الحياة وقيمتها.

سيطِر على مشاعر القلق!

بدايةً: إذا كان الشخص دائم القلق، فمن الصعوبة في هذه الحالة الكف عن القلق والتخلص منه، وفي هذه الحالة لن تنجح العبارات التي يسمعها الشخص من الآخرين بهدف تهدئته أو تخفيف القلق عنه مثل: "لا تقلق"، "حاوِل الهدوء"، وما إلى ذلك، فمثل هذه العبارات قد تزيد توتر الشخص وتثير قلقه بشكل أكبر.

غالباً: طلب الآخرين من شخصٍ قَلِقٍ، الهدوء وعدم القلق لن يجدي، دون اتباع استراتيجيات وفنيات معيّنة، عن طريق شخص مختص في هذا المجال، والذي يمكن له مساعدة الشخص في التخلص من القلق وإدارة الضغوط، وكذلك تحديد المواقف التي تتطلب الشعور بالقلق.

أحياناً: يرجع سبب الشعور بالقلق إلى اعتقاد خاطئ من الشخص القلِق، يقوم هذا الاعتقاد على فكرة مشوشة، أساسها أن مشاعر القلق من الممكن أن تمنع حدوث المشكلة أو الموقف الذي نخاف منه أو من حدوثه؛ إذ يعتقد الأشخاص أن القلق هنا يُشعرهم ببعض الراحة والطمأنينة.

والسؤال المهم في هذه الحالة: هل يمكن للقلق أن يمنع حدوث موقف أو أمر ما؟ وبالطبع، الإجابة ستكون "لا"، فمجرد الشعور بالقلق لا يمنع حدوث الشيء، ما لم تُتخذ تدابير يمكنها بالفعل منع حدوث الشيء الذي يرغب الشخص في حدوثه او يخاف منه.

إن أقل وصف يمكن إطلاقه على هذا النوع من التفكير، هو أنه تفكير لا منطقي وعشوائي، فالقلق هو عملية تبدأ عند إدراك الشخص موقفاً أو حدثاً ما، على أنه يمثل خطراً أو تهديداً عليه، فإذا كانت مخاطبة الشخص ذاته بطريقة سلبية وغير عقلانية فإن ذلك يزيد من قلق الشخص ويبدأ القلق أخذ صورة انفعالية ويتصرف الشخص بشكل مادي وملموس عن طريق استجابات وردود فعل لأحاسيس متوترة تؤثر على تكيُّفه مع محيطه وذاته.

وفي حالة كانت مخاطبة الشخص ذاته عند الموقف نفسه بشكل يتسم بالإيجابية والعقلانية، فإن هذا التفكير سيسهم في الحد من حدوث الانفعال ويسهم في تجاوز الشعور بالقلق.

الحد من مشاعر القلق

أولاً: غيِّر نمط التفكير، إذا كان الشخص يعاني قلقاً مبالغاً فيه فإن ذلك يرجع إلى نمط تفكير الشخص وعدم فاعلية هذا الأسلوب أو النمط من التفكير الذي يتبعه، وينتج عن بقاء هذا النمط مزيد من التوتر، فقبل كل شيء هنا هو تغيُّر النمط وأسلوب التفكير المتّبَع، والتعامل مع الموقف بطريقة أكثر إيجابية.

ثانياً: تجنُّب الافتراضات السلبية، فلا داعي لتحليل كل موقف على أنه يمثل خطراً، يجب الابتعاد عن الافتراضات والاقتراحات غير المنطقية.

ثالثاً: تقدير احتمالات حدوث المشكلة، مهما كان الأمر الذي يتخيل الشخص أنه يهدد حياته واحتمال حدوثه، مع ذلك فإن إمكانية حدوث هذه الأشياء محدودة للغاية، فالأشخاص القلقون يبالغون في تقدير حدوث الأشياء غير الممكنة بطريقة تستدعي الجانب السلبي والأسوأ منها فقط، يبالغون في الحرص والحذر، هذه المبالغة تزيد من الضغوط النفسية ولا تمنع حدوث الشيء الذي يتوقع الشخص بالفعل حدوثه، ما لم يقم بالتدابير الممكنة، وفي حالة حدوث الشيء افتراضاً فهل النتيجة ستكون سلبية كما يتوقعها الشخص القلق، فغالباً لا تحدث النتيجة المتوقعة نفسها التي يخاف الشخص حدوثها.

رابعاً: المبالغة في تقدير المواقف، وإعطائها أكثر مما تستحق، ستزيد من مستوى الضغوط لدينا. ففي واقع الأمر، الشعور بعدم السيطرة التامة أو الجزئية على المواقف المحيطة بنا يجعلنا نشعر بالقلق تجاه ذلك، لكن المبالغة في الشعور والانزعاج من عدم قدرتنا على ذلك يجعلاننا نعاني ونفقد الاستمتاع بالحياة.

ختاماً: إن الشعور بالسيطرة والتحكم في الأحداث والظروف المحيطة هو في واقع الأمر خارج عن إدارتنا ولا يمكن إخضاعه لذلك، إذن أول خطوة للتخلص من مشاعر القلق والضغوط النفسية هي معرفة مدى التحكم المتاح لدينا بالفعل في هذه المواقف.

فإن كانت الإجابة عن هذا التساؤل أنَّ تحكمنا محدود، نسأل أنفسنا سؤلاً آخر: لماذا إذن نشعر بالقلق والضغوط؟ فإذا كانت الإجابة بأن قدرتنا على التحكم في البيئة المحيطة والأمور التي خارج سيطرتنا محدودة، فهنا يجب أن نعلم أنه لا مبرر مطلقاً لقلقنا وأن نتقبَّل الواقع ونغيِّره في حدود إمكاناتنا وقدرتنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد