تنتشر ظاهرة زواج القاصرات في السودان بكثرة في ظل تفشي الجهل والفقر وإجازة القانون تزويج الفتاة عند بلوغها السنة الـ 10 من عمرها.
ورغم الجهود الحثيثة للمنظمات الإنسانية والحقوقية، فإن هذا القانون أعطى الضوء الأخضر لهذه الممارسات، التي يسقط ضحيتها بنات السوادن الواحدة تلو الأخرى.
زواج القاصرات بالأرقام
تتزوج واحدة من أصل 3 فتيات في المناطق النامية من العالم قبل بلوغها سن الـ 18، ويقدر أن 1 من كل 9 فتيات في البلدان النامية تتزوج قبل سن الـ 15 عاماً. وتشير الاحصائيات إلى أن أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعاً للفتيات التي تتراوح أعمارهن بين الـ 15 والـ 19 هو الحمل والولادة.
أما البحوث والدراسات الحديثة في السودان، فتؤكد من جهتها خطورة زواج الطفلة صحياً، وتعرضها لأمراض يؤدي بعضها إلى الوفاة. وأفادت أن 38% من النساء في السودان تزوجن في سنٍ مبكرة، حسب مسح أجري في العام 2014، في وقت لم يكتمل فيه نمو الفتاة الجسدي والنفسي والاجتماعي، لمواجهة الحياة الزوجية.
وتوضح الأرقام أيضاً أن الغالبية العظمى من المتضررات ينحدرن من عائلات تعاني من أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنية.
فارق سن مخيف
يكمن الدافع الرئيسي لزواج الأطفال في الفقر و"ثمن" العروس، فمهر العروس يشكل عاملاً هاماً في تزويجها، حيث يعتقد بعض السودانيين أن العروس الأصغر سناً تكلف مهراً أكثر، ما يشكل حافزاً اقتصادياً للعائلات لتزويج الفتيات في وقت مبكر، فتصبح هي الوسيلة الأمثل للخروج من الظروف الاقتصادية البائسة، أو ببساطة مصدر دخل للوالدين.
وتساهم التقاليد الشعبية والقوانين التي تسمح بزواج الأطفال، والضغوط الدينية والاجتماعية والخوف من العنوسة والأمية وعدم تقبل دخول المراة معترك العمل، في تفشي الظاهرة.
قصص من الواقع
الطفلة السودانية أشجان، إحدى الفتيات اللاتي أجبرن على الزواج في سن مبكر، دفعها والدها للزواج برجل في الـ 40 من عمره وهي لا تكاد تبلغ الثامنة مقابل حفنة المال ليتم طلاقها بأمر قضائي.
وبعد حصولها على الطلاق، عادت أشجان إلى مقاعد الدراسة، إلا أن قضيتها تمثل جزءاً بسيطاً من المشكلات التي تواجه مئات الفتيات.
ومثلها الطفلة أشجان يوسف (8 أعوام)، وهي طفلة بكل مقاييس العالم، لكنها زوجة منذ ثلاث سنوات في السودان.
تم تزويج أشجان ولم يكن عمرها يتعدى الـ 5 سنوات لرجل في الأربعينات، وحال صغر سنها دون إدراكها لفظاعة ما ينتظرها داخل القفص الذهبي.
ومازالت قضية فسخ زواجها حتى اليوم تثير ردود فعل واسعة في السودان وخارجه، لكن أشجان واحدة من بين الآلاف اللواتي يعانين بسبب تشريعات تغتصب حقهن في الطفولة.
نفس الأمر طبق على الطفلة اشتياق، حيث عرفت أنها متزوجة فقط بعدما اغتصبها زوجها، الذي كانت تعتقد أنه قريبها، وذلك رغم تعهده بعدم معاشرتها حتى تبلغ سن الرشد وتنهي دراستها.
أبطلت المحكمة زواج اشتياق بعد 3 سنوات من الزواج، أثمر عن طفلة لم تقو اشتياق على إرضاعها، فأسلمتها لوالدتها لتتولى المهمة.
وبعدما أصبحت اشتياق أصغر أم سودانية، أوضحت والدتها أنها عانت من مشاكل صحية في الحمل والولادة، وأصيبت بتشنجات كادت تؤدي بحياتها لتدخل في غيبوبة استمرت 17 يوماً، ناهيك عن معاناتها النفسية، التي استدعت خضوعها لجلسات علاج لدى المختصين.
أما الطفلة نهلة، والتي رفضت نشر تفاصيل أكثر عن هويتها خوفاً من زوجها، فتحدثت إلى "عربي بوست" قائلة، "تزوجت في عمر الـ 12 من رجل بعمر الـ 37 عام ولم أبلغ بعد. أنحدر من أسرة فقيرة لا تملك قوت يومها بسهولة، ما جعل والدي المقعد وأمي التي تعمل بائعة شاي أن يزوجانني لأحد الزبائن، وذلك بعد تعهده بعدم معاشرتي جنسياً إلا بعد البلوغ".
تتابع نهلة، "للأسف زوجي لم يف بوعده بشكل كامل فقد كان يمارس معي مقدمات الجماع لمده 9 أشهر منذ بداية زواجنا، الأمر الذي أصابني بتشويش فكري، خاصة وأن والدتي لم تشرح لي تفاصيل الحياة الجنسية بسبب اعتقادها أن زوجي سيلتزم بشرط الزواج، والآن بعد مرور شهرين من بلوغي أصبح زوجي يمارس معي الجنس بشكل كامل، وحين أرفض يتم ضربي واغتصابي ولا أستطيع أن أطلب الطلاق أو بطلان الزواج خاصة بعد مرحلة البلوغ وتجاوزي للسن القانونية للزواج بالسودان، بالإضافة إلى سوء ظروفنا الإقتصادية إذ لا مكان لي في البيت بعد الطلاق. أعيش حالة من الخوف والرعب من زوجي، فقد وصل الأمر به إلى جلدي بالسوط لأني رفضت معاشرته".
منظمات حقوق المرأة والطفل
في المقابل أكدت الأمينة العامة للمجلس القومي لرعاية الطفولة أمل محمود عبر تصريح رسمي لوسائل الإعلام أن القوانين ليست كافية لوقف ظاهرة زواج القاصرات في البلاد، حيث ترى أن القضية تندرج تحت الأعراف والتقاليد، مؤكدة أن اعتبار سن الـ 10 قانونياً غير منطقي وغير مقبول، وأنه لا بد من تعديل القانون و تنظيم حملات توعية.
أما الأخصائية النفسية والتربوية أمل أحمد فتحدثت لـ "عربي بوست" داعيةً الأسر السودانية إلى محاربة زواج القاصرات، وقالت إنه سبب أساسي للكثير من الأمراض النفسية مثل الهيستريا والاكتئاب والشكوى من الصداع، والكثير من الأمراض التحولية، بغرض الهروب من ضغوط الأبناء والمسؤوليات، إضافة للعمل خارج البيت بسبب الظروف الاقتصادية.