ما الذي نتعلمه من قصة يوسف في عام 2016؟

يوسف يمثل النموذج الحقيقي للمشروع الإصلاحي الذي يهدف إلى تحرير الإنسان من العبودية، وإقامة دولة قوية طغى عليها غبار الفساد والظلم قروناً كثيرة، يمضي هذا النبي الطموح إلى إعمار الأرض بالأخلاق لا بالاستبداد، ويكسب شرف الخلافة الإنسانية المتزنة بين الدنيا والآخرة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/03 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/03 الساعة 08:54 بتوقيت غرينتش

يولد رمز من بني إسرائيل ويدخل في موروثات القرآن الكريم والكتاب المقدس عبر شخصية عالمية يسطرها التاريخ الإنساني بكاريزما قيادية مهمة، فيسعى هذا العنصر الفريد ببناء مصر على منهج العدالة السماوية التي تحافظ على الحقوق وتصون الحريات، وهنا سنسرد الدروس المستقاة من قصة هذا النبي بشكل ينسجم مع الحياة الواقعية التي تخاطب حال الشباب التائه.

المؤامرة وبيئة الصراع:
المطلع على قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- سيكتشف ملامح الشخصية المتزنة التي صبرت عندما قرر إخوته التخلص منه حسداً وحقداً، ثم انتهى الأمر برمي الغلام في البئر، ولم يتجاوز الـ17 من عمره آنذاك.

يسقط يوسف ثم يتعلق بصخرة منادياً إخوته لإنقاذه وهم يضحكون باستهتار متجرد من الرحمة، وهنا تنبثق الحياة المجهولة في ليالٍ مريرة يسودها الظلم والجوع والخوف، ثم ينتظر الأب "يعقوب" ابنه الصغير ليعود قميص الحبيب ملطخاً بالدماء، معلناً ألم الفراق الطويل.

ضريبة الإنقاذ والقدر القادم:
يعيش سيدنا يوسف -عليه السلام- في هذه اللحظات تناقضات مخيفة مناجياً ربه بالفرج، حتى تأتيه الاستجابة الأولى، فيسمع صوت بعض الناس كانوا مع قافلة من الإبل، فيسقط أحدهم دلو الماء ليسقي أصحابه، وإذا بيوسف يظهر في الدلو، ويفرح أصحاب القافلة ببضاعة إنسانية ستدر عليهم أموالاً طائلة عندما يبيعوه، فانطلقوا به من فلسطين نحو مصر ليبيعوه في سوق العبيد.

المرحلة الجديدة والألم المشرق:
يمضي يوسف مع القافلة ويصل إلى سوق العبيد فيشتريه عزيز مصر "بوتيفار"، يمشي بوقار نحو جدران القصر المطرزة بتماثيل الآلهة؛ ليصمت صارخاً بإيمانه بقدره الذي سيغير أعظم إمبراطورية آنذاك، فيكبر الغلام ويكبر معه حبه لله رب العالمين، حتى يأتيه الاختبار الصعب بإغراء سيدته "زليخة" لمبادئه، ومحاولتها المستمرة بتوريطه بالخيانة العقائدية والدنيوية، ليصل إلى اكتشاف زوجها للحادثة، ويزجره بالسجن هدفاً لطمر عار زوجته، فيقرر يوسف اختيار قيود الاعتقال تفضيلاً لقيمه التي تربى على إحيائها ونشرها.

القضبان واستمرارية المشروع:
يقضي النبي يوسف 10 سنوات مريرة بشتى أنواع التعذيب والتنكيل، أيام طوال زرعت جذور الإرادة الصلبة بالتأثير على من حوله ساعياً لنشر المفاهيم المعتدلة بثقة ورفق، وهنا كان الصبر شعاره للمستقبل المجيد الذي ينتظره، فيعيش على أمل العودة وإكمال المشوار الإصلاحي، عندها جاءت الفرصة بأن يفصح عن العلم الذي كرمه الله لاستثماره بطريقة إبداعية، وها قد حان التوقيت المناسب لإعلان القدرات وتفريغها لإصلاح الأرض.

العودة والمنصب التشريفي:
يعود يوسف ويرشح نفسه لمنصب وزير الموارد الاقتصادية، فيحظى بثقة الملك الحاكم في مصر، عندها بدأت المرحلة الثانية بالإصلاح الفعلي، ونشأ العمل التخطيطي متمثلاً بالزراعة لـ7 سنوات حملت في طياتها قرارات ذكية يكتنفها التطبيق العملي باستخدام آليات ممنهجة، عندها تزايدت شعبية الوزير، ونضج معها الإيمان الصادق بالله بتوفيقه نحو الخير، فيلتقي يوسف بإخوته ويعفو عنهم، ثم يغفر لأخطاء "زليخة" التي عميت، وهي تبحث عنه، فيأمره ربه بمسامحة كل من أساء له برحمة إلهية لا يسع الكون وصفها، ثم يعود يوسف الكبير إلى أحضان والده سيدنا يعقوب -عليه السلام- بشوق الطفل الصغير.

يوسف عليه السلام نموذجاً:
كيف للإنسان أن يدفن الألم ويعيش مع الأمل بعد سلسلة من النكبات المهددة بمستقبله؟ كيف له أن يصمت طويلاً عند خيانة إخوانه وحرمه من طفولته بلا مبررات وسط ضريبة الصراع الداخلي في المجتمع؟

البئر المظلمة والثقة الروحية بالفرج القادم، ثم العيش وسط أفكار ومعتقدات غير عقلانية في بيئة مليئة بالخرافات مع تبنّي الحكمة والثبات على المبادئ الإسلامية السامية مع عدم الاكتراث للجمال الظاهري وفتنة الحياة الوقتية، ذهاباً إلى السجن الذي يشع نوراً بقوة الإلهام الإلهي، وصولاً إلى تنفيذ مهمة الإنسان بعقلية حكيمة تخطط وتنفذ بشكل استراتيجي رصين.

يوسف يمثل النموذج الحقيقي للمشروع الإصلاحي الذي يهدف إلى تحرير الإنسان من العبودية، وإقامة دولة قوية طغى عليها غبار الفساد والظلم قروناً كثيرة، يمضي هذا النبي الطموح إلى إعمار الأرض بالأخلاق لا بالاستبداد، ويكسب شرف الخلافة الإنسانية المتزنة بين الدنيا والآخرة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد