إلى ابني الحنون “5”| قصصاً ترويها

لم أكن -بُني الحبيب- أتخيل نفسي يوماً وأنا كنت أجلس مع أبي طفلاً، حين كان يستقبل في بيتنا صديقاً له أو ضيفاً، أنه سيحدث معي قِصصاً مشابهة على الحدود مثلاً، أو في تلك الأمكنة البعيدة عن الوطن والأهل، وأن يحدث أيضاً وأرويها لأحدهم، تماماً كالتي كان يرويها أبي لهم، ولي أنا أيضاً، حتى حَدَث وأن أصبح لديّ بالفعل تلك القصص التي صِرتُ أرويها مررتُ بها على الحدود أو بعيداً في بلاد أخرى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/02 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/02 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش

لم أكن -بُني الحبيب- أتخيل نفسي يوماً وأنا كنت أجلس مع أبي طفلاً، حين كان يستقبل في بيتنا صديقاً له أو ضيفاً، أنه سيحدث معي قِصصاً مشابهة على الحدود مثلاً، أو في تلك الأمكنة البعيدة عن الوطن والأهل، وأن يحدث أيضاً وأرويها لأحدهم، تماماً كالتي كان يرويها أبي لهم، ولي أنا أيضاً، حتى حَدَث وأن أصبح لديّ بالفعل تلك القصص التي صِرتُ أرويها مررتُ بها على الحدود أو بعيداً في بلاد أخرى.

ستصبح لديك -بني الغالي- يوماً ما تلك القصص أيضا على الحدود وداخل العديد من المدن في تلك البلاد البعيدة، وسيصيرُ أن ترويها يوماً في المجالس ولأبنائك، وما أروع تلك الأوقات وأنت ترويها لابنك الأكبر، وها أنا ذا أرويها لك عبر الزمن ودون أن تكون إلى جانبي ونحتسي فنجاناً من القهوة، أنا هنا وأنت يا حبيب عمري هناك.

أتدري؟ أنا أنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر، فرغم أن هناك الكثير المخبأ لديّ والذي خصصته لك أنت وحدك كي أخبرك به، فإنني أتوق لتلك اللحظة ليس فقط لأخبرك بتلك الأمور والأحداث، لا، بل لأنني أشتاق لتلك اللحظات التي لم أخامرها معك يا حبيب عمري بعد.

أريد منكما بنيّ الآن أن تستلهما قدر استطاعتكما حد المستحيل هذا:
أنا أخطأت بُني حين ساقني القدر لِتَعثُرا بي تلك السنين القليلة رغماً عني وعنكما، تلك القليلة التي منحتني مائة سنة من التفاصيل الدقيقة عايشتها معكما بكل جوارحي وأحاسيسي لأجدها الآن وهي تشكل جزءاً هائلاً من وجداني وعقلي الباطن ومنظومتي العصبية وردود فعلي، ورغم حزني الشديد جراء هذا القَدَر -اختياري الفاشل- فإنني متيمٌ به أن قَسَم لي تلك السنين القليلة من حياتي وأن كانت بقربكما، وأن قسم لي أنتما، بُني الغالي لم أخلق قَدَرنا القاسي هذا، ولم أشأ أن أصنع حزني..
هل استلهمتما؟

أثنا وجودي بأحد البلدان الشمال إفريقية سنة 1996 ذهبت برفقة مجموعة من أصدقاء الدراسة لعيادة مريض لهم كان يسكن في نُزل صغير، موظف الاستقبال وكان رجلاً خمسينياً، طلب منا هوياتنا الشخصية ليحتفظ بها عنده في الدرج حتى عودتنا من أعلى، وعندما جاء دوري لإعطائه الهوية خطرت ببالي فكرة وهي أن لا أعطيه هويتي؛ فسألني:

أنت، أين هويتك؟

فأجبته: لا هوية لديّ.

قفال متعجباً: وهل هناك مَن لا يملك هوية؟!

فقلت له: نعم أنا وشعبي.

فقال مستهزئاً هذه المرة: وأي شعب أنتم الذين لا تملكون هويات؟!

فقلت له: نحن الشعب الفلسطيني المشرد.

فقال لي وتعابير وجهه مزجت بين الحزن والتعجب: نعم والله إنك لصدقت بني في هذا، هيا اصعدوا لرؤية زميلكم، وأنت بالذات وأشار إليّ مرحب بك زيادة.

تحياتي لك..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد