المغرب.. انكشاف الحقيقة وسقوط هيبة الدولة

كعادة الدولة المغربية في سرعة تعاملها مع المستجدات التي تشهدها الساحة العربية والدولية، خرجت علينا وزارة الخارجية، يوم الأحد 11 يونيو/حزيران الجاري ببيان أعلنت خلاله أنها تتابع إقدام عدد من الدول على مقاطعة قطر، بـ"انشغال بالغ"، معبرة عن استعدادها "لبذل مساع حميدة"، قصد التوسط لإيجاد حلول للأزمة الخليجية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/24 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/24 الساعة 03:50 بتوقيت غرينتش

كعادة الدولة المغربية في سرعة تعاملها مع المستجدات التي تشهدها الساحة العربية والدولية، خرجت علينا وزارة الخارجية، يوم الأحد 11 يونيو/حزيران الجاري ببيان أعلنت خلاله أنها تتابع إقدام عدد من الدول على مقاطعة قطر، بـ"انشغال بالغ"، معبرة عن استعدادها "لبذل مساع حميدة"، قصد التوسط لإيجاد حلول للأزمة الخليجية.

كما أكد البيان أن الملك محمد السادس قد قام "منذ اندلاع الأزمة، باتصالات موسعة ومستمرة مع مختلف الأطراف"، داعياً إياهم إلى "ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل تخفيف التوتر وتجاوز الأزمة".

في مقابل سرعة تحركها إزاء مع ما يقع بالخليج، ظلت الدولة المغربية وعلى رأسها المؤسسة الملكية الحاكمة، تلتزم الصمت تجاه ما يشهده الريف من احتجاجات مستمرة لأزيد من سبعة أشهر، دون أن تكلف نفسها حتى بإعطاء أدنى الشروط المبشرة بحل قريب، مع أن مخرج الأزمة بين الريف والرباط بيدها.

بضعة أيام على اندلاع أزمة الخليج كانت كافية لتصل مستجداتها إلى المؤسسة الملكية، بينما لم تكفِ سبعة أشهر من الاحتجاج السلمي لإيصال الرسالة الواضحة للقصر، ويقول قائل في ذات السياق إن التقارير تصل المؤسسة بشكل مغلوط! مع أن الأمور لا تقبل حتى النقاش، ومن العيب ألا يعلم رئيس دولة ما يجري في بلده وهذه إهانة كبرى له، خاصة إن أصدرها المدافعون عن كون التقارير فعلاً، وصلت مثقلة بالمغالطات!

حتى ولو افترضنا أن التقارير لم تحمل الحقيقة للمؤسسة الحاكمة خلال سبعة أشهر، كيف إذن وصلت "أزمة الخليج" بشكل لا لبس فيه وفي بضعة أيام؟ أعتقد أن الأمور بدأت تخرج عن جادة الصواب، وبات لزاماً على كل حر أن يتحدث بشكل منطقي يتقبله العقل، على الأقل.

حسب ما قاله الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، فإن الملك على دراية تامة بما يقع، وقد أعطى أوامره بفتح تحقيق في تعذيب "معتقلي الحراك"، وفي نفس السياق أتساءل: ما سر القمع والتهديد والوعيد، ومن يقف وراء إعطاء الأوامر باستمرار الاعتقالات والاختطافات والمتابعات؟ الإجابة واضحة والأوامر معلومة المصدر، وسكوت الأخير إقرار للواقع.

المرحلة تحتاج إلى جرأة تخول قول الحقيقة بدون التفاف ولا تضليل، فقد بلغ السيل الزبى، وصار السكوت مهانة، والحديث بغير الواقع خيانة، وحتى بالنسبة للصحافة، الموضوعية يا سادة في الأخبار، وليست في خروقات "الأشرار"، والانحياز للمظلوم واجب على كل "الأحرار".

ما دامت "المؤسسة الملكية" هي أعلى سلطة في المغرب، وبيدها كل مفاصل الدولة، وفق "صريح" الدستور، فمن الطبيعي أن تكون هي المسؤولة عما يقع بالريف، وبدل أن تنحني وتلبي مطالب الشعب وتوقف الهمجية التي تتعامل بها أجهزتها، استمرت في نهج سياسة "الآذان الصماء" و"العيون العمياء".

حين يتعلق الأمر بالتلاعب بمصير الوطن، فلا تهاون مع أي مسؤول، ولا "أحد" يجب أن يستثنى من دائرة "المسؤولية"، فكل من يتواجد في المؤسسة الحاكمة راع ومسؤول عن "رعيته"، والعبارة الأخيرة ليست بالمفهوم الذي أفرزته الدولة "المخزنية" التي جعلت دور الرعية يتركز على واجب الطاعة والتصفيق للسلطان، دون إيجاد حيز للحقوق المهضومة.

في سنوات "الجمر والرصاص" كان يقتل المواطن بدم بارد ويلاحق المناضل، ويقمع الحر وتمنع وسائل الإعلام من مواكبة الوقائع ميدانياً، والآن تتكرر نفس الأحداث ويعتقل الأحرار ويقمع الأبرار وتمنع صحافة "الأخلاق" وتدعم "الصفراء"، ويعتقل كل من قال كلمة الحق.

اعتقل عدد كبير من نشطاء الحراك ومن الإعلاميين الذين عملوا على إيصال الحقيقة التي أخفتها "الصحافة الرسمية"، وربما يأتي الدور على آخرين؛ لأن الدولة نزعت قناعها وأظهرت بشاعة وجهها ووحشيته، كما فقدت شرعيتها ومشروعيتها وكذلك هيبتها، بعد أن أصبح "العياشة" و"الشمكارة"، و"ذوو السوابق العدلية" ينطقون باسمها، ويهددون برايتها دون حسيب ولا رقيب.

لقد فضح حراك الريف الدولة وعرّاها، بعد أن سخرت "البلطجية" لضرب وتهديد المتظاهرين، و"العياشة" للتطبيل للنظام والتهويل من مخاطر "الاحتجاج" والانجرار للمصير "السوري"، وكذا للصراخ بـ"عاش الملك"، مع أن الحشود الغفيرة التي تخرج يومياً لا تطالب بـ"إسقاط الملك" أو "الملكية"، بل تريد أن تبين له أنه لا شيء من دون الشعب، وأن الأخير إن أحس بالإهانة فنار غضبه قد تلتهم الأخضر واليابس، وأن زمن الهوان قد ولّى من دون رجعة، ويجب أن تقبل السلطة الحاكمة الواقع مهما كان مراً عليها.

ماذا يعني أن ترفض الدولة الاستجابة لمطالب اجتماعية وحقوقية واقتصادية ومواجهتها بالقمع والاعتقالات، وتسخير من سبق ذكرهم لتهديد المحتجين بـ"الأجهزة التناسلية" التي تنتظرهم داخل السجون؟ وغيرها من الأساليب الوحشية التي لم يستعملها حتى الاستعمار الإسباني!

طبعاً إجابة السؤال السابق هي أن الدولة تمارس سياسة تكميم الأفواه؛ لأنه ليس من صالح من يمسك بزمامها أن يستجيب لما يطلبه السكان؛ لأنه سيخسر جزءاً من مصالحه الاقتصادية وربما السياسية، أو لأن من "يتعنت" لديه نية مسبقة لتدمير هذا البلد؛ لأن الضحية الأول هم فقراء وبسطاء هذا الشعب، أما أصحاب القرار فقد شيدوا القصور في أوروبا وآسيا وأميركا، وهربوا الأموال إلى البنوك الأجنبية، وعددوا جنسياتهم تحسباً لأي انتفاضة قد تهددهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد