رجُلي الذي لم آنَس بشرياً سواه، حب فطري لا يتدخل به البشر، ولكنها الأرواح، ولكن كيف تكون أرواحاً وروحي قطعة منها؟!.. دعّني يا أبتي من كُل عبارات الحب والوداد فأنت تعلم أني لا أجيد العاطفة وحسن التعبير عنها.
تعلم يا والدي أنك علمتني أن أجود بطيب القلب، وأدع الخلق لرب الخلائق.. صدقاً لم تخطئ يا موطن النفس، أخبرك شيئاً أنت من جعلني أرسم ربي بنظرتك للعالم، بأنه سيكون أنقى من عالمنا وأطهر؟!
ربَّيت فِي القوة الحنونة، فمهما كان عدوّي غليظاً ربما ساقته الحاجة إليَّ إذاً أصبح واجباً عليَّ مساعدته، لِمَ كل هذا الحلم.. حدّثني؟
حفرت داخلي بئراً من الإيمان بأن الغد الأفضل قريب، أعلم أن الثقة بالله أساس إتمام الدين، لكن متى يأتي ذاك الغد البعيد.. البعيد جداً، تُراه ذهب إلى المنفى؟ أم أنه كان أضغاث حلم ودّ تحقيقه يا طيّب النفس؟!
زرعت الحب فينا فبات حُبين حباً لله وحباً لا يكنّه إلا لسواك.. فماذا بعد يا حلو الطباع؟ أين لك هذا الجلد والوضع يزداد سوءاً وقبحاً؟
أعذرني فيما سينطق به القلم عن لسان حالي، لقد خذلك الواقع، وجعلك ممن ساهموا في رؤيتي لعالم ضبابي.. عالم مجهول، بل عالم سمته الصراع والخوف، بشر بلا أفئدة، ولنكن أكثر دقة هي فقط مضخات للدم، أبي كنت تأمل لي أن ألقى دنيا وواقعاً أفضل منك، وها هي حصيلة غرسك أنا وأشباهي ينعتوننا بالعته كلما تبعثرت أحرفنا عن أن الغد الأفضل.. أأنت راضٍ هكذا؟
واقعي المتخبط يرفضني وأنا أرفضه، وكلانا يحاول أن يغالب الآخر شعور الانهزام.. حباني الله إياك، وجعلني ابتلاءك فاصفح عن ابتلائك التي غُلت أيديها لتغير في نفسها، لتجعل واقعها أفضل لحد يروق لها، لكن الواقع يجيبني هيهات.
لن أقول إنك جعلت مني الساذجة، فأخبرتني أن الحذر غنيمة، لكن حذري كان لا يزال طفلاً وليداً، فضاع الطفل عن مربيه، فصار مربيه بلا رجاء وأمل.
نعم أنا هي طفلتك التي بالأمس كانت تلهو على أكتافك كالقرد، وتسعد بضحكاتها وحركاتها البلهاء، طفلتك صارت فتاة غادرة، أول أعوامها في عقدها الثالث، وزاد معها تأملها وتفكرها ليزداد معهما ألمها وبؤسها؛ ليكبر لديها يقين بأنك لم تكذب.
يا آباء اليوم.. كونوا كأبي، لكن لا تَعِدوا نشْأَكُم بواقع أفضل، فأبي لم يكذب، لكن الواقع خاذل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.