“الزطلة” في تونس.. حرية شخصية أم كارثة مجتمعي؟

تعتبر مادة القنب الهندي، أو كما تعرف بـ"الزطلة" في تونس، أحد أهم المواضيع التي كانت ولا تزال تشغل الرأي العام التونسي في السنوات الأخيرة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/02 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/02 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش

تعتبر مادة القنب الهندي، أو كما تعرف بـ"الزطلة" في تونس، أحد أهم المواضيع التي كانت ولا تزال تشغل الرأي العام التونسي في السنوات الأخيرة.

وسلطت الأضواء على هذه القضية مجدداً بعد إلقاء القبض وإحالة تلميذَين قاطنين بمحافظة سليانة إلى المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بالمنطقة لمحاكمتهما بتهمة استهلاك مادة مخدرة مدرجة بالجدول "ب" حينما كانا في طريق العودة من المعهد بعد الاشتباه فيهما من قِبل قوات الأمن مساء يوم الخميس 16 فبراير/تشرين الثاني 2016.
رغم تطوع عشرة محامين للترافع عنهما وطلب الإفراج باعتبارهما تلميذَين يتيمين يحضران لامتحان البكالوريا وتفوقهما في الدراسة، إضافة إلى دماثة أخلاقهما، فإن النيابة العمومية رفضت هذا المطلب وحجزت القضية للتصريح بالحكم لاحقاً.

وقد شكَّل القانون عدد 52 المؤرخ في 18 مايو/أيار لسنة 1992 – الذي ينص على عقوبة سجنية تتراوح بين سنة وخمس سنوات علاوة على غرامة مالية بين ألف وثلاثة آلاف دينار – أداة بيد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي البوليسي لهرسلة الشباب وإرسالهم إلى غياهب السجون، باعتبار أن عملية إلقاء القبض لا تشترط حالة التلبس، إضافة إلى المعاملة التي لا تمت للإنسانية بصلة، لإجبارهم على الخضوع لعملية استخراج العينة.

ونذكر من هؤلاء الناشطين المدون عزيز عمامي، والفنان أحمد بن أحمد المعروف بكلاي بي بي جي، إضافة إلى كافون وغيرهما، مما دفعهم إلى إعداد أغانٍ تدعو صراحة إلى رفع عقوبة تجريم استهلاك مادة القنب الهندي (الماريغوانا) سنة 2011، ولعل أشهرها على الإطلاق هي أغنية "زاكاتاكا" التي حققت نسبة مشاهدة تجاوزت 7.5 مليون مشاهدة على موقع اليوتيوب.

فمنذ اندلاع ثورة الياسمين سنة 2011، تشكلت ترسانة من القوانين الأساسية والتنظيمية التي تنظم الحياة السياسية والاجتماعية بين الأفراد، إضافة إلى حرية التعبير، وخصوصاً المصادقة على مجلة إجراءات جزائية جديدة تكفل حضور المحامي أثناء فترة الاستنطاق إضافة إلى حق الموقوف في عرضه على الفحص الطبي.

إلا أن قانون المخدرات لا يزال ساري المفعول منذ 24 سنة برغم العديد من المقترحات التي أعدت لتعديله سواء من قِبل مكونات المجتمع المدني أو من طرف الحكومة، وذلك لأنها لم تكن محل توافق للكتل النيابية داخل قبة البرلمان التونسي، وهو ما شكل لخبطة لدى وسائل الإعلام المحلية؛ نظراً لسياسة التكتم الشديد التي ينتهجها أعضاء لجنة التشريع المعنيون بإعداد مقترح لعرضه على المصادقة في الجلسة العامة.

وفي حوار مطول بإحدى القنوات التونسية الخاصة، أعلن رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي عن نيته عقد اجتماع بمجلس الأمن القومي قصد إيجاد حل لهذا المشكل، كما صرح بأنه ضد العقوبات السجنية. وأوّلت هذه التصريحات على أنها إشارة إيجابية لمستهلكي هذه المادة المخدرة فيما أبدى العديد تخوفهم من انتشار أكثر لهذه المادة المستشرية أصلاً في الأوساط التلاميذية والطلابية.

وأظهرت دراسة أعدت سنة 2015 ارتفاع نسبة الإدمان على المخدرات بعد الثورة لتصل إلى 70% بالمقارنة مع سنة 2011. كما لوحظ أن 60٪ من المدمنين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً، كما بينت هذه الدراسة أن 30٪ من فتيات تونس مدمنات على مختلف أنواع المخدرات وترتفع هذه النسبة لدى التلميذات والطالبات والجامعات حيث تبلغ 40٪ لدى الإناث مقابل 60٪ لدى الذكور.

كما أعلن ممثلون عن وزارة العدل التونسية أنه تمت محاكمة أكثر من 120 ألف سجين بهذا القانون منذ بدء العمل به، بالإضافة إلى تكلفته الباهظة على ميزانية الدولة؛ حيث تبلغ تكلفة إيواء السجين أكثر من 20 ديناراً للنزيل الواحد، ناهيك عن نقص عدد الأعوان المؤهلين للتعامل معه وحالة الاكتظاظ الشديدة التي تشهدها السجون التونسية، فوفقاً لتقرير أعده مكتب الأمم المتحدة بتونس، تجاوزت نسبة الاكتظاظ 150٪ في العديد من السجون على غرار المسعدين والقيروان والقصرين وغيرها.

وقد تسببت حالة الاكتظاظ هذه في ارتفاع نسبة العنف بين المساجين، بالإضافة إلى انتشار الأمراض الجلدية.

وعلى أثر هذه الإطلالة الإعلامية، انطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى تقنين الاستهلاك والإفراج عن مساجين هذا القانون، خصوصاً أن هؤلاء المساجين لا يتم إفرادهم بقسم خاص، بل يختلطون مع سجناء الحق العام والقضايا ذات الصبغة الإرهابية، وهو ما يشكل خطراً عليهم باعتبار أغلب هؤلاء المساجين من ذوي الفئات العمرية الهشة الذين يسهل استقطابهم.

ولعل أبرزهم هو مغني الراب مروان الدويري الملقب بـ"إيمينو" الذي سجن لمدة ثمانية أشهر بتهمة تعاطي المخدرات، ومن ثم التحق بتنظيم داعش الإرهابي؛ ليبلغ خبر وفاته في فترة لاحقة عائلته الملتاعة.

وأوضح الأستاذ غازي مرابط، المحامي ورئيس جمعية السجين 52، أن مروان ينتمي إلى الطبقة الاجتماعية المتوسطة وذوي المستوى التعليمي، معتبراً أن القمع المسلط على الشباب أحد الأسباب التي أدت به إلى التطرف، معرباً عن أمله في تقنين هذه المادة عملاً بما هو معمول به في دول كهولندا وكندا.. إلخ.

وعلى أثر تسارع وتيرة هذه الأحداث، انقسم الشارع التونسي ما بين مؤيد ومعارض، وهو ما انعكس على آراء الساحة السياسية، فحزب نداء تونس أعلن صراحة أنه يساند مقترح رئيس الجمهورية التونسية باعتباره يمثل أحد الوعود الانتخابية أثناء الحملة الرئاسية سنة 2014، ويدعمه في ذلك حزب آفاق تونس، بينما يعارضه شق من حزب حركة النهضة وثلة من المحامين والقضاة؛ حيث يرون أن التخلي عن الجانب الردعي سيسهم في مزيد من التشجيع على استهلاك هذه المادة المخدرة.

وكثر الحديث في الآونة الأخيرة حول هذه المسألة بعد التزام الحكومة التونسية بتحمل مسؤولية استقبال المقاتلين التونسيين العائدين من بؤر التوتر كليبيا وسوريا، سواء سلموا أنفسهم للسلطات الأمنية أو عادوا إلى التراب التونسي خلسة.

كما أن الشباب والكهول المسجونين في القضايا المتعلقة بـ"الزطلة" يحرمون من أية آفاق إيجابية متعلقة بمستقبلهم، وذلك أن هذه العقوبة السجنية تلطخ بطاقتهم عدد 3 (السجل العدلي)، مما يحرمهم من المشاركة في مناظرات وظائف القطاع العام والقطاع الخاص كذلك، ناهيك عن الانعدام الفعلي لفرص الحصول على تأشيرات سفر ونظرة المجتمع إليهم كـ"أصحاب سوابق"، مما يزيد من صعوبة عملية إعادة إدماجهم في المجتمع ويدفعهم إلى الغوص أكثر فأكثر داخل عالم الجريمة.

يعتبر البعض أن مادة القنب الهندي ما هي إلا وسيلة للتنفيس عن شباب مصاب بالإحباط من انسداد آفاق التشغيل والهجرة، إضافة إلى اليأس التام ومقاطعة العملية السياسية برمتها، وهو ما يتهدد هذه الديمقراطية الفتية؛ إذ إن ازدياد وتنوع وبشاعة الجرائم المرتكبة كل يوم يدق ناقوس الخطر على مستقبل مراهقين تخلوا عن مقاعد الدراسة، ورفعوا السلاح في وجه الدولة التونسية، سواء في مرتفعات جبال الشعانبي، أو انضموا إلى لواء جماعات مقاتلة في الخارج في حروب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
بينما يرى آخرون أن رفع الحظر المفروض على هذه المادة سيسهم في خلق جيل شبابي يتسم بالعنف والخمول والسلبية.

وبين هذا وذاك، يتأرجح مستقبل تونسيين، جلهم من المراهقين، على كف عفريت، خصوصاً أن أعداد مساجين هذا القانون في ارتفاع مطرد بصفة سنوية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد