"حبّكِ خارطتي ما عادت خارطة العالم تعنيني.. أنا أقدم عاصمة للحزن وجرحي نقش فرعوني.. وجعي يمتدّ كسرب حمام من بغداد إلى الصين".
لا، لا، لا، ثمّ لا! ما هذا الكلام الخطير؟ ما هذه الفوضى في التعبير؟ ما هذا الافتئات الحاقد على دستورنا وتركيبتنا وتوازناتنا الديمغرافية اللبنانيّة؟ هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلاً!.. ماذا؟ ما عادت خارطة العالم تعنيني؟ من بغداد إلى الصينِ؟ دون استثناء سوريا وفلسطينِ؟ يا للوقاحة! يا لهول الكارثة! يا للعار!
فحتّى للغزل أصوله الطائفية والعنصرية في لبنان.. يبدو أنّه من الآن وصاعداً على الفنّان كاظم الساهر أن يعدّل في البيت الأخير من قصيدة نزار قبّاني؛ لكي يتمكّن من غنائها في المهرجانات اللبنانية.. كيف لا، وقد غرّد أخيراً وزير الخارجية اللبنانية جبران بسيل -رئيس التيار الوطني الحرّ وصهر المرشّح إلى رئاسة الجمهورية النائب ميشال عون- بأنّه "مع إقرار قانون منح المرأة "اللبنانية المتزوّجة من غير لبناني" الجنسية "اللبنانية" لأولادها لكن مع استثناء "المتزوّجات من" السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا".
عزيزتي المرأة اللبنانية، إذا تجرّأ أن ينتابك شعور بالحبّ موجّه نحو أحد الشباب السوريين أو الفلسطينيين، فاكبتي هذا الشعور! أسكتيه بالقوّة! اخنقيه صغيراً قبل أن يترعرع في قلبك! اقتلعيه من صدرك سريعاً وارميه في غياهب النسيان!
فالمشاعر بالية، والأرض غالية.. أرض الستّة آلاف سنة حضارة، أرض الحرف وقدموس وأدونيس، أرض التميّز الثقافي عن المحيط العربي، أرض الانفتاح على العالم وهمزة الوصل بين الشرق والغرب.. هذه الأرض يجب أن تحافظ على صفائها العرقي.. هذه الأرض لا يجب أن تتلوّث عن طريق الحبّ والغرام والمشاعر الإنسانية التي يمكن أن تؤدّي إلى زواج اللبنانيات بسوريين أو بفلسطينيين.. هذه الأرض لا يمكن أن تقبل بتوطين غير مباشر لـ400 ألف لاجئ فلسطيني أو بدمج اللاجئين ""النازحين" -على حدّ تعبير الوزير باسيل- السوريين في لبنان الذين هجّرهم أصلاً من مدنهم وقراهم في سوريا حلفاء الوزير باسيل وأبرزهم النظام السوري وحزب اللّه.
نعم، عزيزتي المرأة اللبنانية، كوني عنصرية في اختيارك.. حافظي على أرضك.. حافظي على عرضك.. لا تكوني حصان طروادة لـ"الغرباء".. كوني فطنة وتنبّهي.. لا تجعلي الرجل السوري يأسر قلبك بكلام معسول، ولا الرجل الفلسطيني يدغدغ مشاعرك بغمزة وابتسامة عريضة.. اغرقي في مركّبات البارانويا وعقد الارتياب التي ما كان استطاع حتّى سيغموند فرويد أن يداويها.
على جميع الأحوال، عزيزتي، قد أعذر من أنذر! ففي حال أصررتِ على الزواج من رجل سوري أو فلسطيني، فـ"ذنبك على جنبك".. سوف تتحمّلين عواقب فعلتك وذلك بعدم حصولك على حقّ منح جنسيّتك اللبنانية لزوجك وأولادك من هذا الزوج.
عزيزتي المرأة اللبنانية، عدا أنّ هذا الكلام تفوح منه رائحة طائفية بغيضة ويحتوي على كمّ هائل من التمييز العنصري والجندري الذي لم تقع به حتّى أحزاب اليمين المتطرّف الأوروبية، فهو أيضاً أسير تناقضات قانونية جمّة، نذكر منها مثالين أساسيّين:
ففي حين أنّ الوزير باسيل صبّ كلّ تركيزه على السوريين والفلسطينيين، لم يقل لنا ما رأيه بالمرأة اللبنانيّة المتزوّجة من رجل إسرائيلي؟ هل سوف يحقّ لها إعطاء الجنسية اللبنانية لزوجها وأولادها أم لا؟ يبقى السؤال، على ندرة هذه الحالات، مشروعاً ومهمّاً ولا يمكن إغفاله، لا سيّما أنّه بغياب الإحصاءات الرسمية – من الجائز الاعتقاد أنّ هنالك عدداً من النساء اللبنانيات – المقيمات في الكيان الصهيوني أم لا – اللواتي تزوّجن من إسرائيليين، خصوصاً بعد هربهنّ من الشريط الحدودي في لبنان على أثر التحرير سنة 2000، فكيف لوزير خارجية لبنان أن يستثني السوريين والفلسطينيين من حقّ المرأة اللبنانية بأن تمنح زوجها وأولادها الجنسية اللبنانية، دون أن يستثني مسبقا العدو؟
وماذا عن المرأة اللبنانية المتزوّجة من رجل أجنبي، ولكن من أصول سورية أو فلسطينيّة، مثلاً اللبنانية المتزوجة من رجل سويدي من أصول فلسطينية، أو اللبنانية المتزوجة من رجل سوري حاصل على الجنسية الفرنسية.. هل تشفع لها عندئذ جنسية زوجها الجديدة ""الكلاس" بإعطاء جنسيتها اللبنانية لزوجها ولأولادها؟
عزيزتي المرأة اللبنانية، تنعّمي في بلد الحضارة والترفّع الثقافي بسلطة سياسية أبوية تعتبرك إمّا مسؤولة عن جريمة اغتصابك في بعض الأحيان، إمّا قاصرة، ناقصة عقل، غير قادرة على القيام باختيار زوج من الجنسية المناسبة.
تنعّمي بذكاء سياسة الزواريب اللبنانية وحكمة قوانينها التي تمنع الممثّل الأميركي جورج كلوني – المتأهّل من المحامية أمل علم الدين، ورئيس الفيفا السويسري جياني إنفانتينو – المتأهّل من السيّدة لينا الأشقر، والرئيس الأفغاني أشرف غني أحمدزی – المتأهّل من السيّدة رلى سعادة.. أن يكونوا لبنانيّين وسفراء استثنائيين لصورة لبنان في العالم.
نعم، تنعّمي بتسلّط تعسّفي يحرمك – ولو تعدّدت المسميات والذرائع – من أبسط حقوقك، كمنح الجنسية لزوجك وأولادك، لا سيّما إذا كانوا من جنسيات مغضوب عليها من قِبل بعض القوى السياسية المحدودة الرؤية التي تمتهن العزف على الوتر الطائفي عند كلّ استحقاق، تلك القوى التي تغرق في أقلّويتها وأنانيّتها الطائفية وانزوائها، تلك القوى التي تعزل لبنان عن محيطه بسبب تبعيّتها لبعض الجهات الإقليمية، تلك القوى التي تمتهن التعطيل باسم الميثاقية، تلك القوى التي أصبح التهديد بفضّ الشراكة الوطنية لديها كشربة الماء والتي لا ترى في مستقبل البلد والمنطقة – رغم كلّ التطمينات والضمانات الممكنة – إلا الخوف والتشاؤم والقلق من الآخر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.