انتشر مقطع فيديو لأحد أبناء الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي، وهو يسكب زجاجة شمبانيا على ساعة يده التي تقدر بنحو 60 ألف دولار.
وقد يزيد هذا الفيديو من الضغوطات على والده، الذي يرفض الاستقالة حتى اللحظة، رغم الرفض الشعبي له بقيادة الجيش، ومن حزبه أيضاً.
وقال مصدران في الحزب الحاكم في زيمبابوي، السبت 18 نوفمبر/تشرين الثاني، إن اللجنة المركزية للحزب ستعقد اجتماعاً خاصاً، صباح الأحد، لإقالة الرئيس روبرت موغابي (93 عاماً) من رئاسة الحزب.
والاجتماع المقرر سيعيد إيمرسون منانجاجوا، نائب الرئيس، إلى منصبه، وسيعزل جريس زوجة موغابي من قيادة الرابطة النسائية بالحزب.
وانتهى حكم موغابي من الناحية الفعلية، بعد 37 عاماً على رأس الدولة، منذ تولى الجيش السيطرة، يوم الأربعاء الماضي، واحتجز الرئيس في مقر إقامته، قائلاً إنه يرغب في استهداف "المجرمين" حول الرئيس.
وبعد وقت قصير من الكشف عن اجتماع الحزب، غادر موكب مقر الإقامة الرسمي للرئيس في العاصمة هاراري، وسط صيحات استهجان واستهزاء من المحتجين.
لكن مصدراً أمنياً قال لرويترز، إن موغابي لم يكن بالموكب الذي غادر مقر إقامته في هاراري اليوم.
وتدفق مئات الآلاف على شوارع العاصمة وهم يلوحون بالأعلام ويرقصون، وعانقوا الجنود، وغنوا ابتهاجاً بسقوط موغابي المتوقع.
وفي مشاهد أشبه بسقوط دكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو عام 1989، جرى رجال ونساء وأطفال بجانب المدرعات والقوات التي تدخلت الأسبوع الماضي للإطاحة بموغابي، الحاكم الوحيد الذي عرفته زيمبابوي منذ استقلالها عام 1980.
وموغابي (93 عاماً) قيد الإقامة الجبرية في مجمعه الفاخر في هاراري، المعروف باسم (البيت الأزرق)، الذي شهد منه تبدد ما كان يحظى به من دعم حزب الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي/الجبهة الوطنية الحاكم، والأجهزة الأمنية والمواطنين، في أعقاب سيطرة الجيش على السلطة يوم الأربعاء.
وقال باتريك تسويو، ابن أحد أشقاء رئيس زيمبابوي روبرت موغابي، اليوم، إن الرئيس وزوجته جريس "مستعدان للموت من أجل ما هو صحيح"، ولا يعتزمان التنحي لإضفاء الشرعية على ما وصفه بانقلاب عسكري في البلاد.
دموع الفرحة
وقال تسويو لرويترز، من موقع لم يكشف عنه في جنوب إفريقيا، إن موغابي لم ينم تقريباً منذ استيلاء الجيش على السلطة، يوم الأربعاء، لكن حالته الصحية بخلاف ذلك "جيدة".
وفي شوارع هاراري، عبَّر السكان عن مشاعرهم بلا قيود وهم يتحدثون عن تحرير ثانٍ للبلاد، وعن التغيير السياسي والاقتصادي بعد عقدين من القمع والمصاعب.
وقال فرانك موتسينديكوا (34 عاماً) لرويترز، وهو يلوح بعلم زيمبابوي "هذه دموع الفرحة… انتظرت طول عمري هذا اليوم. أحرار أخيراً. نحن أحرار أخيراً".
ومن المرجح أن يلقي سقوط موغابي بظلاله على أنحاء إفريقيا، التي يوجد بها عدد من الزعماء الأقوياء، من رئيس أوغندا يوويري موسيفيني إلى جوزيف كابيلا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذين يواجهون ضغوطاً متزايدة من أجل التنحي.
وقال الأمين العام لقدامى المحاربين فيكتور ماتيماداندا، لحشد مناهض لموغابي في منطقة هايفيلد في هاراري: "فلنذهب الآن ونوصل رسالة للجد موغابي وزوجته، التي كانت عاملة آلة كاتبة، أن عليهما الرحيل".
واضطر الجيش للتحرك بعد قرار موغابي إقالة منانجاجوا، المنافس الرئيسي لزوجة موغابي على منصب الرئيس القادم. ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018.
وينتظر الزيمبابويون في الخارج سقوط موغابي أيضاً. وتجمَّع مئات من الزيمبابويين في بريطانيا أمام سفارة بلدهم في لندن، مطالبين بتنحي الرئيس المخضرم.
وقالت فلورنس، البالغة من العمر 34 عاماً "إنني سعيدة اليوم لأن موغابي على وشك الرحيل. ينبغي عليه الرحيل. على الأقل إن ذهب ستكون لدينا فرصة لتغيير الرئيس بعد سنوات عديدة من الظلم".
لا لجريس
بالنسبة لبعض الأفارقة، يظل موغابي بطلاً قومياً، وآخر زعيم استقلال في القارة، ورمزاً للتخلص من قهر استعماري دام عقوداً.
لكن كثيرين في الداخل والخارج يعتبرونه دكتاتوراً لجأ للعنف للاحتفاظ بالسلطة، وتسبب في انهيار اقتصاد كان ذات يوم واعداً.
وتشير مصادر سياسية ووثائق مخابراتية اطلعت عليها رويترز، إلى أن رحيل موغابي سيمهد الطريق على الأرجح أمام حكومة وحدة مؤقتة يقودها منانجاجوا، الذي عمل مساعداً لموغابي لفترة طويلة، وكبير المسؤولين الأمنيين السابق المعروف بلقب (التمساح).
كما تشير الوثائق إلى أن الأولوية ستعطى لتحقيق استقرار للاقتصاد المتداعي.
وقالت الولايات المتحدة إنها تتطلع "لمرحلة جديدة" في زيمبابوي وقال رئيس بوتسوانا المجاورة إيان خاما إن موجابي لا يتمتع بدعم دبلوماسي في المنطقة وعليه الاستقالة فورا.
وقالت صحيفة ذا هيرالد الحكومية الرئيسية إن الحزب الحاكم دعا موجابي يوم الجمعة للاستقالة في إشارة واضحة إلى أن سلطة الزعيم البالغ من العمر 93 عاما انتهت.
وقالت الصحيفة إن أفرع الحزب في كل الأقاليم العشرة في زيمبابوي دعت أيضا إلى استقالة جريس زوجة موجابي التي كانت تتطلع إلى أن تخلف زوجها في المنصب مما أغضب الجيش ومعظم من في البلاد.
عنيد
تعكس المشاهد في هاراري الغضب والإحباط الذي تراكم على مدار عقدين تقريبا من سوء الإدارة الاقتصادية منذ بدأت السلطات في مصادرة مزارع مملوكة للبيض في عام 2000 وكان ذلك أحد العوامل التي ساهمت في انهيار أوسع للاقتصاد.
وحاول البنك المركزي أن يرسم مخرجا للأزمة على طريقته وذلك بإطلاق العنان لطبع النقود لكن الإجراء زاد الأمور سوءا وأدى إلى تضخم صاروخي وصل إلى 500 مليار بالمئة في عام 2008.
وهاجر ثلاثة ملايين مواطن على الأقل بحثا عن سبل معيشة أفضل واتجه أغلبهم إلى جنوب أفريقيا.
وبعد استقرار وجيز عندما اضطر موجابي للعمل مع المعارضة في حكومة وحدة في الفترة بين عامي 2009 و 2013 انهار الاقتصاد مجددا وكان السبب هذه المرة هو نقص حاد في الدولار بالبلد الذي يصل عدد سكانه إلى 16 مليون نسمة.
وفي أكتوبر تشرين الأول زاد التضخم الشهري إلى أكثر من 50 في المئة ليجعل السلع الأساسية بعيدة عن متناول الكثير من أبناء زيمبابوي التي يصل معدل البطالة بها إلى 90 في المئة.