تعد دول الخليج العربية من بين أكبر مستوردي الأسلحة الأميركية، حتى إن السعودية أبرمت أكبر صفقة أسلحة أميركية خارجية في التاريخ، بقيمة 29 مليار دولار، مقابل مقاتلات F-15 المُطورة.
كما تشتري كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر طائرات مقاتلة أميركية، فضلاً عن أنظمة ثاد الدفاعية بعيدة المدى، بالإضافة إلى إجراء الجيش الأميركي تدريبات عسكرية بانتظام مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لما ذكره موقع "ستراتفور" الأميركي.
تقرير كتبه دي بي دي روشي، الزميل غير الدائم بمعهد دول الخليج العربي بواشنطن، والزميل العسكري البارز بمركز جنوب شرق آسيا الأدنى للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع الوطني بموقع ستراتفور، لفت إلى أن الأزمة القطرية قد تتسبب في وقف صفقات أسلحة مهمة لدول الخليج، بشكل قد يؤثر مثلاً على الأداء العسكري للسعودية في حربها باليمن.
صفقات مهددة
يقول دي روشي: "كان من بين النتائج غير المتعمدة للخلاف الأخير بين قطر وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، قرار بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، بتعليق جميع مبيعات الأسلحة إلى دول مجلس التعاون الخليجي".
وعلى الرغم من أن هذا القرار غير رسمي، إلا أنه غالباً ما سيجري احترامه وأخذه في الحسبان، ما سوف يؤثر بالضرورة على دول مجلس التعاون الخليجي بشكل متفاوت.
نظام غريب لمبيعات الأسلحة الأميركية
يُعد نظام الولايات المتحدة للمبيعات الخارجية للأسلحة عملية مكلفة ومعقدة، فقد صُممت هذه العملية لضمان حصول العميل على القدرة الكاملة للأسلحة بجانب عملية البيع، لا الأسلحة ذاتها فحسب.
فعلى سبيل المثال، تتضمن عقود مبيعات الأسلحة الخارجية توريد قطع الغيار، وكتيبات الإرشادات، والتدريب، وغيرها من العمليات الضرورية لأنظمة التسليح على مدار عمرها التشغيلي.
ويجب إبلاغ الكونغرس الأميركي رسمياً بأي صفقة بيع أسلحة خارجية تتعدى 14 مليون دولار، والذي يملك الحق بدوره في إلغاء هذه الصفقة في غضون 30 يوماً. بالإضافة إلى هذا الإخطار الرسمي، أقرت الإدارات الأميركية المتعاقبة فترة 20 يوماً للإخطار غير الرسمي السابق للإبلاغ الرسمي بالصفقة، بحسب موقع "ستراتفور".
وحتى قبل الإخطار الرسمي، يُطلِع مسؤولو الشؤون التشريعية في وزارتي الخارجية والدفاع الأعضاء الرئيسيين في الكونغرس –أو موظفيهم– على موجز الصفقة المقترحة، ويحاولون تسوية أي معارضة للصفقة. أما إذا كان ثمة معارضة كبيرة، فلا يُعتد بالإخطار غير الرسمي.
وفي الواقع العملي، فإن المشاورات السابقة للإخطار قد تمثل عملية ممتدة، تتسبب غالباً في تأخيرات كبيرة.
بعض أنظمة الأسلحة المتطورة، مثل الطائرات المقاتلة، لا يمكن بيعها إلا من خلال نظام مبيعات الأسلحة الخارجية. وفي حال معارضة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لصفقة ما، لا يمكن تخطي هذا الرفض وتنفيذ الصفقة إلا من خلال إصرار الرئيس الأميركي على إتمامها. وهو ما يوصف بحق النقض السلبي غير المباشر.
حق النقض السلبي
في ظل الغضب المتّقد بين دول مجلس التعاون الخليجي، أعلن كوركر تعليق جميع صفقات التسليح لدول مجلس التعاون الخليجي. وهو ما قد يعيق تمرير الصفقات المستقبلية المُقترحة من خلال نظام مبيعات الأسلحة الخارجية عبر الكونغرس. وبما أن هذا التعليق غير رسمي، فمن الممكن أن يتم التخلي عنه إذا اقتنع كوركر أن هناك أسباباً ضرورية لذلك، ولكن يبدو أن أمراً مثل هذا مستبعد في الوقت الراهن.
من أكبر الخاسرين؟
هذا الوضع لم يسبق له مثيل، فليس هناك فائزون في الأزمة الخليجية ، بل درجات متفاوتة من الخسارة.
والمفارقة هنا، أن البلدان الأكثر خسارة، هي البلدان التي تعادي قطر، حسب التقرير الأميركي.
فهناك صفقات بيع أسلحة خارجية ضخمة معلقة لهذه البلدان، قد تذهب في مهب الريح مع تزايد قلق أعضاء الكونغرس –وخاصة أعضاء الحزب الديمقراطي– إزاء بيع الأسلحة لبعض دول الخليج العربي.
بدا هذا القلق جلياً خلال التصويت الأخير لمجلس الشيوخ على الموافقة على إمداد المملكة العربية السعودية بأسلحة دقيقة التوجيه.
وبينما كانت هناك معارضة قوية لهذه الصفقة خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، يبدو أنه تم حث معظم أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين وبعض الجمهوريين على معارضة هذه الصفقات خلال جلسات التصويت الأخيرة.
ويرجع السبب في كثير من هذه التحولات إلى الأزمة الإنسانية الكارثية في اليمن، في ظل انتشار وباء الكوليرا، وصور الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الشديد، التي وجدت طريقها إلى التقارير الإخبارية في وسائل الإعلام المختلفة.
كما أن هناك جزءاً من معارضة الديمقراطيين لهذه الصفقات يقع في نطاق معارضة الرئيس دونالد ترامب. وسواء كان السبب هذا أو ذاك، فمن المرجح أن تزداد حدة هذه المعارضة مع الوقت، بدلاً من تراجعها.
مشكلة عسكرية
بناءً على ذلك، فإن البلد الأكثر عرضةً للتأثر بتعليق كوركر لصفقات بيع الأسلحة، هي المملكة العربية السعودية. إذ لم يتم الإخطار بعد عن معظم صفقات السلاح الضخمة التي أُعلن عنها لدى زيارة ترامب إلى الرياض.
والجدير بالذكر أن كثيراً من هذه التجهيزات التي تضمنتها الصفقات المعلنة، تُشكل أهمية قصوى للتحديث المُخطط للقوات المسلحة السعودية، ويأتي في مقدمتها صفقة الأسلحة دقيقة التوجيه التي تقدر بـ7 مليارات دولار، بالإضافة إلى صفقة قيمتها 6 مليارات دولار، هي قيمة إمداد التجهيزات الضرورية لسرب طائرات F-15 اللازمة لاستمرار الحرب في اليمن.
وفقاً لذلك، فإن الوقت ليس في صالح المملكة العربية السعودية في هذه الحالة. ومع استمرار الحرب في اليمن، واستمرار تفاقم الوضع الإنساني، يبدو أن معارضة الكونغرس لهذه الصفقات سوف تتزايد. وقد ترى المملكة العربية السعودية أنه إذا لم تتم هذه الصفقة في القريب العاجل، فإنها لن تتم على الإطلاق.
حظ البحرين
غير أنه في الوقت ذاته، يبدو أن البحرين قد تفادت الرصاصة.
ففي مارس/آذار 2017، بدأ إخطار غير رسمي بصفقة بيع 19 مقاتلة F-16 إلى البحرين، تقدر بـ5 مليارات دولار.
وهي الصفقة المحفوفة بالمخاطر منذ البداية. إذ تبلغ ميزانية الدفاع البحرينية 1.3 مليار دولار فقط، فليس هناك دولة في العالم بقلة عدد سكان البحرين، ولا بمحدودية حجم ناتجها المحلي الإجمالي، ولا بصغر حجم مساحتها الكلية، تمتلك مقاتلات أسرع من الصوت.
كما أن سجل البحرين في مجال حقوق الإنسان يُعد أمراً مثيراً للقلق بالنسبة لبعض أعضاء الكونغرس. وبالتالي، فإن الجدوى العسكرية لمثل هذا العتاد العسكري الفائق، تعد أمراً مثيراً للشكوك في أحسن الأحوال، وبالنظر إلى الميزانية العسكرية الصغيرة للبحرين، فمن المحتمل أن تُضطر الولايات المتحدة للدفع مقابل التحديثات المستقبلية للطائرات إذا ما تمت الصفقة.
من حسن حظ البحرين، أن كوركر يرى أن هذه الصفقة منتهية، ولن تتأثر بتعليق صفقات التسليح. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس عازمون على المضي قدماً في معركتهم مع ترامب، فيما يتعلق بسياسة مبيعات الأسلحة.
كما يبدو أن صفقة مقاتلات F-16 مع البحرين، تمثل نقطة انطلاق مناسبة لبدء هذه المعركة. إذ لا يوجد مبرر أمني وطني أميركي منطقي لإتمام مثل هذه الصفقة، بالإضافة إلى الملاحظات السلبية على سجل حكومة البحرين في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات القليلة الماضية، حسب موقع ستارتفورت.
المفارقة الكبرى هي أن الدولة الأقل تأثراً بهذا التعليق هي قطر. فقد تمت الموافقة على الإخطار بصفقة قطر للحصول على مقاتلات F-15 ونظام ثاد الدفاعي، قبل تفعيل تعليق كوركر.
التهديدات تتزايد
وفي الوقت الذي تستمر فيه دول مجلس التعاون الخليجي في تعميق هوة الخلاف، فإن احتمال تحقيق أي من الجانبين لجميع أهدافه آخذ في الانحسار.
إذ لا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتخلى عن تحديث قواتها المسلحة إلى أجل غير مسمى، في ظل استمرار مشاحناتها البينية. فالوقت، والتغيرات المستمرة، وتهديد أمن الشرق الأوسط لن ينتظر أحداً.