عشرون عاماً ليست ثمناً بخساً تقدمه نظير بحثك عن الهدف من وجودك في الحياة!
عشرون عاماً قدمتها عداً ونقداً، فالدقيقة بالساعة والشهر بالسنة، لم تكن تعجبني وتيرة التكرار التي أراها أمامي، كنت أتساءل عن جدوى انتظار يوم تعرف تفاصيله مسبقاً!
كنت أفعل كما يفعل الناس من حولي، أصلي مثلهم، وأتحدث كما يتحدثون، أثني على ما يثنون عليه، وأشتم ما يشتمونه، وكنت أعتقد أنني شخص صالح، وأن الله ورسوله أحب إليَّ من نفسي كما يعتقدون هم تماماً.
إلى أن دارت بيني وبين شقيقي محادثة يوم توفيت والدتي، قال لي إن كانت مصيبتنا في الوفاة عظيمة فهي ليست أعظم من مصيبة وفاة محمد عليه الصلاة والسلام.
في ذلك اليوم عرفت أنني في مأزق عظيم مع الإيمان، فشقيقي الذي قال لي ذلك ليس بمتدين، وفي تلك الليلة حين خلوت إلى نفسي سألت قلبي سؤالاً عن أي المصيبتين أعظم في أثره، حضرت الإجابة منحازة إلى أمي دون تردد، وفي تلك اللحظة تحديداً قررت أن لا أفعل شيئاً لأن الناس تفعله، وإن كنت سأحب الله ورسوله أكثر من أمي فإنني سأبحث عن ذلك الطريق بنفسي، سأبحث عن إجابة لا يختلف بها قلبي عن لساني.
بحثت عنهما لدى الآخرين، تقاذفتني التيارات كما تتقاذف أقدام اللاعبين الكرة، كلهم يدّعي أنه على حق، وأنه يمثل الفرقة الناجية، بحثت عنهم لدى الدعاة فأخافوني منهم وأشعروني بأن الله ينتظر موتي ليرمي بي أسفل جهنم، وأن رسول الله سيشيح بوجهه عني لو التقيت به في الحلم، لم أجد لديهم جسراً يصلني بالله لأني أحبه، ولأنه إله عظيم يستحق أن تعبده بحب، فهو من يظل يغمرني بالعطايا رغم صدودي عن طريقه وانصرافي عن ذكره.
لم يكشفوا لي عن الصورة المشرقة لإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رجل عظيم وفقده هو فقد عظيم للإنسانية، فهو الرجل الذي ادخر الوعد المستجاب له كنبي بشفاعة ينقذ بها الآخرين في يوم شديد الهول، أي إنسان هذا الذي يفعلها، أليس جديراً بأن تحبه؛ لأنه يستحق فعلاً، وليس لأنك تخشى أن يظن الآخرون بأنك لا تحبه.
عرفت الله حين حطمت الحواجز البشرية بيني وبينه، حين تعلمت أن أدعوه بدعوات يبتكرها قلبي لا باستعارة دعوات عباده الآخرين، حين تعلمت أن أقلق بشأن صورتي لديه، حين حركت مشاعري الإنسانية التي خلقني عليها أحببته شكراً وأحببته وجلاً وما زلت أحبه طمعاً.
هؤلاء الذين يظنون أنهم وكلاء الله على عباده، وضعوا بيني وبين ربي من الحواجز ما هو به عليم، أهدروا الكثير من عمري وأنا أظن أن لهم حصانة ينالها الصادقون مع ربهم، هكذا كنت أظنهم!
فإذا بالدنيا لا تخالف عهدها بالتكرار، فالكذب قصير الحبل، سيان الأمر إن كانت الكذبة هي كذبتك على نفسك أم أكاذيب الآخرين عليك.
ستستيقظ يوماً على ما يضعك بمواجهة مع نفسك، مع ما تؤمن به وما تظن بأنك مؤمن به، هذه الفوضى ستحدث عاجلاً أم آجلاً طالما ما زلت مقتنعاً بأنك تحتاج لجسر بشري تعبر لآخرتك من خلاله.
ستقف أمام الله وحدك؛ حيث لا أحد سواك ونياتك تتقاذف بثقل قلبك بين يمين وشمال..
لو وضعت تلك اللحظة نصب عينيك دائماً، ستجد بقلبك قوة قادرة على تحطيم كل صنم يقف بينك وبين خالقك، ستجد في نفسك القوة لتخبر الآخرين بأنك تتفق معهم في هذا الأمر وتختلف في الآخر، ستستدل بنفسك على ما يحب الله وما يكره، وستعلم قبل أن تبحث أي الأحاديث هو صحيح وأيه مكذوب.
ستجد في نفسك القوة حين تدرك أنك عبد لله وحده، وأن لا أحد غير الله تعالى يملك حقاً في إدارة عقلك، حين تكتشف أنه ما من صكوك للغفران لتزاحم المغفلين في الحصول عليها من دجال لا يهمه شأنك في الدنيا، فضلاً عن موقعك في الآخرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.