سألني صديقي: ما هو الأدب؟ فأجبته: الأدب بكل بساطة هو أن تتكلم عن قلة الأدب!
أليس من قلة الأدب أن يأكل أسراب الشعب العربي الجائع من حاويات القمامة المتخمة بالعار والشعارات الطنانة والرنانة عن الوقاية من الأمراض السارية والمعدية والأمن الغذائي وضرورة حماية المستهلك؟ أليس من قلة الأدب أن يحوم الأطفال حول إشارات المرور والمطاعم الراقية والفنادق والأحياء المحقونة بأصحاب الأموال المسلوبة بحثاً عن قطعةٍ فضيةٍ ترمى إليهم بعد لعق ضمائر أصحابها؟
أليس من قلة الأدب أن ينخر إعلامنا العربي المجيد أدمغتنا ليل نهار بالمسلسلات العربية التي يفترض أنها تعكس حال المواطن العربي وهمه وأحزانه وأتراحه وواقعه المهترئ والمرقع والغارق في قاع المحيطات، بينما هي تنفصم عنه وتوحي لمن يشاهدها بأن همّ الإنسان العربي لا يتعدى نفاد ماركة "الكورن فليكس" الصباحي التي اعتاد عليها، أو حيرته بين امتلاك سيارة مرسيدس أو كاديلاك أو بورش، أو حتى الوقوف طويلاً تحت أشعة التكييف للحصول على كريم نحت البطن والأرداف والاستمتاع بقوام "سيكسي" في 4 حركات؟
أليس من قلة الأدب أن لا تسمع خبراً عاجلاً أو بطيئاً واحداً مفاده أن مسؤولاً عربياً واحداً استقال من منصبه -لا قدر الله- أو ترجل عن حصانه -بإذن الله- حتى ولو كان مدير مدرسةٍ منسيةٍ في أقاصي البلاد أو رئيس ديوانٍ تراكمت فوقه الغبار في إحدى المؤسسات العربية العرجاء، بينما نسمع عن استقالة وزير بشحمه ولحمه في بلاد ما وراء الشمس؛ لأن ضفدعاً مسكيناً أصابه الإسهال الشديد؟
أليس من قلة الأدب أن نعتاد نحن المواطنون العرب على رؤية نفس الوجوه البشوشة والقامات الإعلامية والسياسية الممشوقة منذ الولادة وحتى الموت، لا بل وأن نصفق لهم ليل نهار إذا كحوا أو تنحنحوا أو عطسوا أو غصوا أو حتى تجشأوا من تخمة الطعام؟
أليس من قلة الأدب أن يولد ابن الأمير والملك والوزير وبفمه ملعقة أو دزينة ملاعق ذهبية عيار 24 بينما يولد الطفل العربي وفمه مفتوح لعلب الحليب الوطني المنتهي الصلاحية إذا توافر؟
أليس من قلة الأدب أن تنحني هامات الرجال الأشاوس حتى تطول شواربهم الأرض لتقبيل يد طفلٍ لا يتعدى السادسة أو الثامنة فقط لأنه فرض عليهم على أنه ولي العهد المنشود والحكم الممدود؟
أليس من قلة الأدب أن تغص شوارعنا العربية بمياه المجارير -الصرف الصحي- والأمطار إذا ما جادت علينا السماء بخيراتها، فقط لأن مسؤول البلدية لص محترف سرق الأموال المخصصة لصيانة أنابيب تصريف المياه، واشترى بها جهاز "آي فون 7" لطفله المدلل تكريماً لجهوده المبذولة في تجميع "البوكيمونات" ومنافسة باقي أطفال المسؤولين؟
أليس من قلة الأدب أن يقطع المواطن العربي المنهك الجبال والوديان والبحار والمحيطات بحثاً عن حاوية قمامة يرمي فيها كيس قمامته المسلول العافية؛ حيث تبعد أقرب حاوية عن منزله كبعد صحراء الربع الخالي عن القطب الجنوبي؟
أليس من قلة الأدب أن يعامل المواطن العربي في دوائره الحكومية التي تعمل من مخصصات الضرائب التي تقتطع من لحم مرتبه كل شهر وكأنه سجين في سجن غوانتانامو فقط للحصول على توقيع موظفٍ وما يرافقها من ألبوم الطوابع التي تلصق على معاملته البائسة؟
أليس من قلة الأدب أن تنفرد جلسات مجلس الشعب أو النواب لمناقشة كشوف العذرية للفتيات وقياس مدى فحولة الرجال وفاعلية حبوب الفياغرا، بينما يرزح أبناء الشعب الكادح المعدم تحت خط الفقر بآلاف الكيلومترات الضوئية؟
أليس من قلة الأدب أن يخرج أحد الطبول الإعلامية المنفوخة ليقول للشعب بأنّ من لا يعجبه حال البلاد وفقرها وذلها فباب البلاد مفتوح على مصراعيه لمن يريد الرحيل غير مأسوفٍ عليه؟
أليس من قلة الأدب أن تخصص دور الأوبرا وقاعات السينما والمسارح والفنادق لتكريم أصحاب المواهب المفقودة والأقلام المشلولة والعقول المحقونة بالبوتوكس، بينما يموت أشهر كتابنا وشعرائنا ومفكرينا العرب المنسيون في بلاد المنفى وعلى أرصفة السفارات الأجنبية دون أن يقال لهم حتى "ما أحلى الكحل في عيونكم"؟
عندما يتكلم الأدب العربي بشعره ونثره ومسرحه عن قلة الأدب يصبح أدباً يستحق الاحترام، ولا سيما في بلادنا العربية التي تعيش على السيروم!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.