تحديات الإعلام الإفريقي

وما زال إلى اليوم الغزو الإعلامي الخارجي لإفريقيا مستمراً عن طريق "الاستثمار الإعلامي" الذي فتح شهية كبار رجال الأعمال؛ إذ أصبح التنافس واضحاً بين البلدان الكبرى من أجل بسط سيطرتها على مجال تضاهي قوته قوة السلاح

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/19 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/19 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش

أين إفريقيا من الإعلام العالمي؟ سؤال طُرح مراراً وتكراراً خلال السنتين الأخيرتين في مختلف الندوات واللقاءات الإفريقية؛ إذ بدأ الصحفيون والمهتمون، بعد سبات طويل يطرحون ولأول مرة، إلى جانب هذا السؤال أسئلة أخرى، من شأنها الوقوف على الأسباب الكامنة وراء تعطل تقدم هذا المجال الحساس والمؤثر في القارة الأقدم والأكبر في العالم.

هذا الاهتمام المتزايد بهذه النوعية من المواضيع لم يأتِ من فراغ، فقد عرفت أغلب البلدان الإفريقية خلال السنوات الأخيرة تطورات مهمة في مختلف المجالات، سواء الاقتصادية منها أو السياسية أو الاجتماعية، مما فرض على مسؤولي هذه القطاعات السعي إلى النهوض بها حتى تتمكن من مواكبة هذا التطور، وإيصال صداه لكافة البلدان الأخرى في العالم، الشيء الذي سينعكس إيجابياً على القارة من حيث تدفق الاستثمارات وتحسين الصورة الذهنية للمتلقي في العالم حول إفريقيا التي ظلت تمثلاتها في الأذهان منذ سنوات مجرد حروب أهلية وعِرقية ومجاعات.

الإعلام الإفريقي والاستثمار الخارجي:

لقد شكَّلت إفريقيا منذ ظهور الفكر الاستعماري (الإمبريالي) نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فرصة ذهبية لبعض البلدان التي رأت فيها مصدراً مدراً للربح، ولعل هذا تزامن بشكل مباشر مع ظهور الشرارات الأولى لكل من الراديو والتلفزيون كوسيلتين إعلاميتين كرستا سيطرة هذه الدول المستعمرة عن طريق إنشاء محطات وقنوات موجهة للشعوب الإفريقية، قصد تزييف الحقائق وتبرير احتلالها لهذه البلدان.

ورغم هذا الوجه السلبي لبداية الإعلام في إفريقيا، فإن الإيجابي في الأمر هو أن أغلب البلدان في القارة السمراء استطاعت أن تحتفظ بهذه المكتسبات بعد حصولها على الاستقلال، لكنها بالمقابل فشلت في التحرر من التبعية الفكرية والأيديولوجية، وإنشاء أرضية إعلامية خاصة بها، كما أنها لم تستطِع أن تتطور وتتقدم شكلاً ومضموناً.

وما زال إلى اليوم الغزو الإعلامي الخارجي لإفريقيا مستمراً عن طريق "الاستثمار الإعلامي" الذي فتح شهية كبار رجال الأعمال؛ إذ أصبح التنافس واضحاً بين البلدان الكبرى من أجل بسط سيطرتها على مجال تضاهي قوته قوة السلاح، وأمام ضعف الاستثمار الوطني والإقليمي لبلدان إفريقيا تكون هذه الأخيرة مجبرة في أغلب الأحيان على توقيع شهادة وفاة قطاعها الإعلامي قبل ولادته.

الإعلام الإفريقي وتحسين الصورة الذهنية:

لا يمكننا الحديث عن تحسين صورة إفريقيا في العالم دون الحديث عن تحسين شروط العمل الصحفي في هذه البلدان؛ إذ ما زالت الظروف العامة من أجل تقديم منتج إعلامي احترافي غير متوافرة بالشكل المطلوب، ولعل هذا يرتبط أساساً بالإضافة للتحدي المالي، إلى تراجع مستويات الديمقراطية في القارة الإفريقية والمتمثلة في حرية التعبير وسهولة الولوج للمعلومة، وهذا يحيلنا أيضا على ضعف التجهيزات التي لا تساعد الإعلامي في تقديم عمل متكامل ونشره بصورة جماهيرية أوسع، لتظل الصورة النمطية تختزل إفريقيا في مجرد فضاء للحروب والمجاعات والتخلف.

الإعلام الإفريقي ورؤوس الأموال:

رغم أن القارة الإفريقية تبلغ مساحتها 30.2 مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانها 1,100 مليون نسمة، وتتوفر على خيرات طبيعية متنوعة، فإن واقعها الإعلامي يعاني من مشكلة حقيقية متعلقة بالدعم المالي لهذا القطاع.

ويرتبط ضعف الاستثمار الإعلامي الداخلي بالنسبة للقطاع الخاص بعاملين أساسيين: الأول مرتبط بضعف الخبرة، والثاني بتضييق الحكومات على المستثمر من خلال وضع دفتر تحملات بشروط تعجيزية، بالإضافة لغياب ثقافة الإشهار والإعلانات التي غالباً ما تكون السبب الرئيسي في إقفال المحطات الإذاعية والتلفزية والجرائد.

إن غياب الدعم المالي يرافقه أيضاً الضعف على مستوى التجهيزات التكنولوجية والرقمية، وهذا يتضح جلياً من خلال جودة الصورة سواء في النقل المباشر أو المسجل، وجودة الاستديوهات والمونتاج والجرافيك.

رغم الجهود المبذولة لتحسين الواقع الإعلامي الإفريقي إلى الآن، فإن أغلب اللقاءات التي عقدت في هذا الموضوع لم تخرج بحلول عملية على أرض الواقع، وظلت أغلب توصياتها حبراً على ورق، وهذا مرتبط بغياب التنسيق والمواكبة البعدية لمثل هذه اللقاءات.

ورغم كل التحديات الموجودة، فإن هذا القطاع سيتقدم حتماً مع مرور الوقت، كنظيره في البلدان الأخرى التي مرت من نفس المرحلة، والتي نجحت في الارتقاء به بأموالها الخاصة، مما ضمن الاستقلالية لإعلامها وعدم خضوعه للتبعية المالية الخارجية.

وإلى أن نحقق هذا التطور يبقى السؤال المطروح: كيف سيكون تقدّم إعلامنا؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد