زمان، كنا نقول عن الشخص سيئ الخلق البذيء إنه (تربية شوارع)…
وكانت العبارة لا تعني على الإطلاق أنه يقضي الوقت في الشارع مثلاً، بل تعني أنه لم يتلق تربية في بيته، من أهله، وإنما تلقاها ضمناً من الشارع..
الفرق أنه من يتربى في بيت أهله ثم ينطلق إلى أدغال الواقع والشارع – وهو أمر حتمي – سيتعلم ألفاظ الشارع كجزء من عدة المواجهة، ولكن تربيته في البيت ستجعله يعلم متى يستعملها ومع من.. بالضبط تربية البيت ستقنن ما تعلمه في الشارع وتوظفها على نحو مقبول اجتماعياً.
اليوم دخلت الشوارع إلى البيوت عبر النت ووسائل التواصل الاجتماعي كما دخلت مجالس العلم والفن والأدب،
لكن دخول الشوارع إلى البيوت لم يواجه بوعي مضاد من الأهل ينتبه إلى أن وجود ابنهم في البيت لا يعني أنه (ليس في الشارع)!، اللقاح التربوي الذي كان يأخذه في البيت سابقاً لم يعد فعالاً؛ لأن (مصدر العدوى) اختلف تماماً.
الشارع كان معلوم (خيره وشره)، وكان جزءاً من بيئة محلية محيطة بالبيت ولها تقارباتها الحتمية مع ثقافة البيت، وبالتالي لقاح البيت كان كافياً لتسكين (ثقافة الشارع) في مكانها؛ حيث يجب أن تستخدم، وعندما يجب أن تستخدم.
اليوم.. النت (يمكن أن) ينقل الفرد قيد التكوين لا إلى الشارع فحسب، بل إلى الشوارع الخلفية ليس في قاع المدينة (المعنية) بل ربما إلى القعر المستخلص من قعر عدة مدن..
وهكذا نرى اليوم في الكثير من الشباب (والشابات) نتيجة مباشرة لهذا، ما كان يقال بين الشباب من سباب في لحظات تجمعهم الذكوري (وهذا الأمر جزء من تكون الهوية الذكورية إلى حد ما) صار يقال (عادي) أمام الكل ومع الكل، ومنه انتقل إلى الشابات، بالمقابل فإن أحاديث البنات الخاصة التي كانت تقال همساً حتى بينهن صارت تقال علناً (على الأقل بعضها) وصار الشباب يأتون للمشاركة عادي أيضاً،
الكثير من الشتائم التي كانت لا يمكن أن تقال أمام الأب أو الأم في بيئتها الأصلية، صارت تنتقل إلى مجتمعات أخرى دون هذه المحاذير (مثلاً شتيمة رائجة عند المصريين، لكنهم يعرفون متى يستخدمونها ومتى لا يفعلون، تنتقل إلى السوريين والعراقيين – مثلا – دون محاذيرها؛ لأنهم لا يعرفون أصلها.. وهكذا).
المسألة ليست في كلمة بذيئة فحسب بالتأكيد، بل في سلوكيات وذوقيات تشكل جزءاً مهماً من أي ثقافة..
الحل؟ الحل دوماً يبدأ بتشخيص المشكلة والوعي بوجودها..
حالياً نحن لا نزال في مرحلة إنكارها، وهناك من سيقول إن هذه مجرد مبالغة من جيل أكبر سناً.
لكن المشكلة تكبر..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.