أيها المغرب الإفريقي.. عودة ميمونة

اليوم وبعد 33 عاماً، لا يعترف بالجمهورية الوهمية إلا عشر دول، تغير الحال بالاتحاد الإفريقي وبإفريقيا وبالمملكة المغربية، فتغير الموقف المغربي بالرجوع لبيته الإفريقي، بعد تفكير استراتيجي عميق، أخذ فيه كل الوقت، من أجل اتخاذ قرار تاريخي شجاع، أفرح كل أصدقاء المغرب داخل القارة وخارجها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/09 الساعة 02:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/09 الساعة 02:02 بتوقيت غرينتش

المغرب عاد للكراسي والاتحاد عضواً قديماً جديداً مؤسساً، ولم يعد لإفريقيا فهو إفريقي، لم يغادر إفريقيا ولم يهمل قضاياها، كما لم يتنكر لها يوماً، وإن خرج من منظمة الوحدة الإفريقية لانحيازها لـ"الجمهورية الصحراوية الوهمية"؛ حيث اعترفت المنظمة الإفريقية بجمهورية مزعومة "لا سيادة ولا أرض لها" بتصويت 26 دولة لذلك، وبتحريض جزائري – جنوب إفريقي بقمة "نيروبي" سنة 1984.

لقد وعد الملك الراحل الحسن الثاني -رحمه الله- بالرجوع إلى المنظمة الإفريقية حين يكون الوقت مناسباً، والظروف الدولية والإقليمية والوطنية في صالح المغرب وقضيته الوطنية الأولى "الصحراء الغربية المغربية".

وقد تحقق ما وعد به الملك الراحل "الحسن الثاني" -على يد خلفه الملك "محمد السادس" خلال القمة الـ28 للمنظمة القارية المنعقدة بأديس أبابا- في خطابه للقمة العشرين لمنظمة الوحدة الإفريقية، يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1984، الذي أعلن فيه عن انسحاب المغرب: (المغرب بلد إفريقي بانتمائه، وسيبقى كذلك، وسنظل نحن المغاربة جميعاً في خدمة إفريقيا… وسنكون في المقدمة من أجل كرامة المواطن الإفريقي واحترام قارتنا).
لقد كان خروج المغرب من الإطار المؤسسي الإفريقي، لأمر واقع لا أخلاقي؛ حيث تم الانقلاب على الشرعية الإقليمية والدولية، مما دفع المملكة المغربية لهذا الخروج مؤلم، دفع المغرب نتيجته ثمناً غالياً بسبب طول المدة، وليس بسبب القرار نفسه.

اليوم وبعد 33 عاماً، لا يعترف بالجمهورية الوهمية إلا عشر دول، تغير الحال بالاتحاد الإفريقي وبإفريقيا وبالمملكة المغربية، فتغير الموقف المغربي بالرجوع لبيته الإفريقي، بعد تفكير استراتيجي عميق، أخذ فيه كل الوقت، من أجل اتخاذ قرار تاريخي شجاع، أفرح كل أصدقاء المغرب داخل القارة وخارجها.

نعم تغير الموقف المغربي لعدة عوامل، لكن الوفاء للقضية الوطنية الأولى "الصحراء المغربية" لم يتغير ولن يتغير.

لقد سلكت المملكة المغربية كل السبل، واتخذت كل الأسباب المشروعة لنصرة قضيتها، وحماية حق المغاربة في "صحرائهم"، الصحراء التي صنعت تاريخهم السياسي وحضارتهم الإنسانية الإسلامية.

والعودة الميمونة إلى الاتحاد الإفريقي من تلك السبل التي كان يجب سلكها، وتم ذلك، وتحققت رؤية الحسن الثاني، وتكررت عباراته ومعانيها في خطاب الملك محمد السادس في رسالته السامية إلى القمة الـ27 للاتحاد الإفريقي التي انعقدت بالعاصمة الرواندية كيغالي.

قال الملك "محمد السادس": "كما أتوجه إليكم كملك لبلد إفريقي، بلد هويته إفريقية بحكم انتمائه الجغرافي، وبتاريخه المشترك الحافل بالأحداث الهامة، وبما يتميز به من تلاقح إنساني، تم إغناؤه عبر توالي القرون، وبفضل القيم المشتركة، الثقافية والروحية المتوارثة.. بلد مشهود له بالالتزام القوي من أجل الدفاع عن القضايا العادلة، بلد كان وسيبقى دائماً، متشبعاً بإيمان لا يتزحزح، في إفريقيا قوية بثرواتها وإمكاناتها الاقتصادية، معتزة برصيدها الثقافي والروحي، وواثقة في مستقبلها".

نعم لقد أثمرت الجهود المغربية على المستويات التنفيذية والدبلوماسية والتشريعية والاقتصادية، عودة ميمونة إلى البيت الإفريقي، جهود قادها الملك محمد السادس من خلال جولاته المكوكية التي قام بها إلى عدة دول إفريقية بغرب القارة وشرقها، والتي كان لها دور كبير في نجاح مساعي المملكة المغربية في العودة لبيتها الإفريقي، واستعادة عضويتها التي تخلت عنها مكرهة.

لقد نجح المغرب في تحويل طلبه من مجرد "طلب انضمام عادي" إلى قضية أساس ورئيس بالقمة 28، غطت على باقي قضايا القمة.

هي عودة ميمونة، ستسهم في تعزيز لحمة الصف الإفريقي، كما تعتبر مكسباً للاتحاد الإفريقي، الذي يحتاج إلى إصلاحات عميقة ونظرة مستقبلية ملموسة ودينامية، وعودة المغرب -ذي الثقل السياسي والاقتصادي والجيوسياسي داخل القارة- هي ضخ لدماء جديدة من أجل الدفع بهذا الإصلاح على وجه السرعة.

كما قال الرئيس الرواندي "بول كاغامي": "مع عودة المغرب، ستكون إفريقيا أكبر وأكثر قوة.. عودة تشكل دافعاً قوياً يتعين على الدول الإفريقية استثماره من أجل تعزيز وحدتها وتضامنها".

وقال رئيس البرلمان الإفريقي "روغر نكودو دانغ": "عودة المغرب إلى الاتحاد ستقدم لنا الكثير.. المغرب بلد إفريقي، وعودته إلى حضن المنظمة التي أسسها ستحمل إضافة هامة تمكننا من أن نناقش معاً القضايا الإفريقية في إطار المقاربة الجديدة التي تروم البحث عن حلول إفريقية لمشاكل القارة الإفريقية".

وقال الأمين العام لتجمع دول الساحل والصحراء إبراهيم ساني أباني: "إن المغرب يعود بعزم راسخ للمساهمة في تعزيز السلم والأمن والاندماج الاقتصادي بإفريقيا.. كل البلدان الإفريقية تنتظر عودة المغرب، فالأمر يتعلق بعودة طال انتظارها لبلد كفيل بتقديم مساهمة كبيرة لتنمية القارة".

فالحاجة متبادلة بين الطرفين، المغرب في حاجة إلى إفريقيا، وإفريقيا في حاجة إلى المملكة المغربية.

هذا الأمر يعلمه المغرب؛ لذا عمل على تطوير العلاقات وتمتينها مع مختلف الدول الإفريقية، وهو خارج الاتحاد الإفريقي، حرصاً على التاريخ والحضارة المشتركة (السنغال ومالي أنموذجاً)، أو تلبية للاحتياجات الجيواقتصادية للمغرب (أول مستثمر بغرب إفريقيا والثاني بالقارة)، والتي كانت دافعاً لزيادة شركائه التجاريين وتحسين قدرته التنافسية، والاستفادة من ثروات ومؤهلات القارة البكر (نيجيريا وإثيوبيا أنموذجاً).
لا شك أن الشراكة المغربية – الإفريقية تعبير أنموذجاً ناجحاً ومتميزاً بالقارة، لشراكة تلبي حاجات الطرفين، ومثالاً للتعاون "جنوب – جنوب" فعال وواقعي، يؤمن بمستقبل القارة الإفريقية ودورها في التنمية والتطور الإنساني.

سيحاول المغرب -الذي يعد مرجعاً بالقارة الإفريقية-في تعزيز مكانة وتموقع هذه المنظمة الإفريقية على المشهد الدولي، كما تمكنه تلك الشراكة وهذا الانضمام من مواصلة التزاماته تجاه السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.

أما ما سيستفيده المغرب من عضويته بالاتحاد الإفريقي، فالمغرب كان دائماً يتابع تطور الاتحاد الإفريقي، ومدى فاعلية منظماته، ونشاط إطاره المؤسساتي (مجلس السلم والأمن، السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا "الكوميسا"، الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد" وغيرها)، والتي تميزت بفاعلية وديناميكية لفتت انتباه المغرب، وإمكانية استفادة المملكة من هذه الديناميكية في تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية بالقارة، والترويج لمقترح "الحكم الذاتي" -الذي لقي ترحيباً وإشادة دولية واسعة- كالحل السلمي والعادل لقضيتها الوطنية الأولى "الصحراء المغربية".

وهذا ما أشار إليه الملك محمد السادس في ختام خطابه بالقمة الإفريقية 28 بأديس أبابا قائلاً:

"إن هذا الوضع يكرس صواب التوجه الإفريقي للمغرب، فبلدي اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة، وهو يدعو بصفة ملموسة إلى بناء مستقبل تضامني وآمن، وإننا نسجل بكل اعتزاز، أن التاريخ أكد صواب اختياراتنا.

فالمغرب لا يدخل الاتحاد الإفريقي من الباب الضيق، وإنما من الباب الواسع، وإن الاستقبال الحار الذي خصَّنا به إخواننا الأفارقة اليوم لدليل قاطع على ذلك، وإننا ندعو، بكل حماس، الأمم الإفريقية إلى الانخراط في الدينامية التي أطلقتها بلادنا، وإعطاء دفعة جديدة لقارتنا برمتها.. ألم يحِن الوقت لنتوجه نحو قارتنا، وأن نأخذ بعين الاعتبار رصيدها الثقافي، وإمكاناتها البشرية؟ ويحق لإفريقيا اليوم أن تعتز بمواردها وبتراثها الثقافي، وقيمها الروحية.
والمستقبل كفيل بتزكية هذا الاعتزاز الطبيعي من طرف قارتنا، فإفريقيا قادرة".

هنيئاً للمملكة المغربية رجوعها للبيت الإفريقي..عودة ميمونة إن شاء الله تعالى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد