تسجل الجزائر سنوياً 1100 حالة انتحار، بحسب آخر تقارير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ويقول هواري قدور المكلف بالملفات الخاصة بالرابطة لعربي بوست، إن هذه الأخيرة تحصي أيضاً زهاء 10 آلاف محاولة انتحار فاشلة كل سنة، فيما تشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن 800 ألف شخص يلقون مصرعهم منتحرين، كل عام، حول العالم.
شهدت الجزائر شهر مايو/تموز 2016 حالة من قصص الانتحار المأساوية التي تعرفها البلاد، حيث أنهت صبرينة، خريجة الجامعة ذات الـ26 ربيعاً حياتها بعد أن كانت تحلم بزوج وبيت ووظيفة قد تساعد بها عائلتها التي كانت تعاني في صمت بسبب العوز.
تحقق حلم الشابة بالزواج في شهر مايو/تموز 2016، لكن فرحة العائلة لم تكتمل، فقبل موعد الزفاف بنحو شهرين، وعوض أن تستمر في مواجهة الحياة من أجل أفراد أسرتها الـ8 الفقيرة، آثرت الفتاة أن ترمي بنفسها في بئر يزيد عمقه عن 17 متراً.
وعن سبب الانتحار، يقول علاوة، وهو أب صبرينة، إن لابنته صديقات كن هن أيضا يستعدن لدخول عش الزوجية، وكن كثيرات التردد إلى البيت، وكن كثيرات الحديث عن التحضيرات والمقتنيات وغيرها من الأمور.
ويضيف لـ"عربي بوست" أن ابنته كانت تريد أيضا أن تحتفل بزواجها مثل باقي صديقاتها، "حيث كانت وكانت تروي لوالدتها كل ما يجري من حديث مع صديقاتها، لكن حالتنا الاجتماعية ليست للأسف في مستوى كل ذلك".
وقبل انتحارها، كتبت صبرينة رسالة وداع تركتها لعائلتها، وأخبرتها بمكان انتحارها وحكت لهم عن أن الفقر المدقع الذي تعيش فيه "لم يترك لها سببا للحياة".
وبدموع الشوق إلى ابنته يقول علاوة: "في فجر الـ20 من مايو/تموز 2016 اطّلعنا على رسالة الوداع، ومكان الفاجعة، وعثرنا على عروسنا جثة هامدة بالبئر جوار البيت".
شباب ومراهقون
80 بالمائة من حالات الانتحار في الجزائر، بحسب الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، هي لشباب ومراهقين.
ويؤكد هواري قدور أن الفئة العمرية الأكثر انتحاراً في الجزائر تقع بين 17 و42 عاماً، منهم حتى طلاب مدارس، جامعيون وموظفون في الدولة.
ومن حيث الجنس، فقد تفوق الذكور على الإناث في عدد حالات الانتحار بنسبة 62 بالمائة، مع تسجيل حالات انتحار أخرى لشيوخ وعجائز فاقت أعمارهم الـ60 عاماً.
المتحدث يشير أيضاً إلى أن منطقة القبائل وولايتي تيزي وزو وبجاية تبقيان على رأس الولايات التي تعرف تسجيل أكبر عدد من الانتحارات بنسبة 35 بالمائة، وتأتي بعدها ولايات الغرب وفي الطليعة وهران بنسبة 20 بالمائة، فيما تبقى ولايات الجنوب الأقل تسجيلاً لهذه الحالات.
من الأمن والجيش أيضاً
الانتحار في الجزائر لا يقتصر على عامة الناس والشباب على وجه التحديد، بل تعدى ذلك وبلغ حد سلك الأمن والجيش الوطنيين.
وتؤكد الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان على لسان المكلف بالملفات الخاصة هواري قدور تسجيل حالات انتحار نفذها عناصر من الأمن و الجيش الوطنيين.
وعلى الرغم من أن حالات الانتحار في هذا السلك يبقى متستراً عليها، لطبيعة المؤسسات التي ينتمون إليها، إلا أن الرابطة تأكدت من خمس حالات سجلت السنة الجارية 2016.
وينتحر هؤلاء حسب المتحدث دائماً باستعمال السلاح الناري، وكثيراً ما يروج لها على أساس أنها أخطاء في استعمال السلاح.
البطالة والضغط
53 بالمائة من المنتحرين في الجزائر عاطلون عن العمل، و18 بالمائة يزاولون مهناً حرة، و12 بالمائة يزاولون أعمالاً هشة، و11 بالمائة من الموظفين، أما الطلبة والتلاميذ فقد حددت نسبتهم بـ 6 بالمائة.
هي الأرقام التي حملها التقرير الأخير الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، والتي أثبت حسب هواري قدور، السبب الرئيس في الانتحار والذي يعود أساساً إلى انعدام فرص العمل، وما يسببه ذلك من ضغط ومشاكل اجتماعية.
سليمة بن وادفل أستاذة في العلوم الاجتماعية بجامعة باتنة، تؤكد بأن الشباب والمراهقين، يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، أو من أحوال نفسية سيئة وفشل العلاقات العاطفية والإحساس بعدم الأمان، إضافة إلى الخلافات الزوجية، فضلاً عن البطالة، والإحساس بـ التحقير والتهميش، أو بشعور الفرد بانعدام دوره في المجتمع، هي كلها ساهمت في ارتفاع مؤشر الانتحار في الجزائر.
أما مولود سعادة أستاذ علوم الاجتماع الديني من جامعة قسنطينة، فيرجع سبب ارتفاع مؤشر الانتحار في الجزائر إلى المشاكل الاجتماعية وغياب الوازع الديني الذي جعل المواطن يفقد الثقة حتى في أقرب المقربين منه.
ويردف المتحدث "خلال العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر (مواجهات عنيفة بين الجماعات المتطرفة والسلطات خلال التسعينيات)، أفرزت مشاكل وضغوطات، جعلت الحالة النفسية للمواطن معقدة، وكثير من الحالات يصل بها الحد إلى الانتحار، خاصة مع ارتفاع البطالة وضغوط العمل".
غرقاً، حرقا، وشنقاً
إن كان أغلب الجزائريين ينتحرون شنقاً حسب الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن هناك أساليب أخرى بات يلجأ إليها البعض لوضع حد لحياته، ومن أبرزها الحرق والغرق.
ويؤكد هواري قدور، أن حالات الانتحار بصب البنزين وإضرام النار في الجسد أصبحت في تنامٍ كبير، وأغلبها مرتبط باحتجاجات على الأوضاع المعيشية، ففي سنة 2016 الجارية، ما يزيد عن أربع حالات سجلت بهذا الشكل.
والرابطة حسب المتحدث، تعتبر الغرقى من المهاجرين عبر قوارب الموت أو كما تسمى في الجزائر "الحرقة"، انتحار، هروباً من حجم المعاناة التي يعيشها الشباب، وتمثل نسبة 19 بالمائة من حالات الانتحار.
ومن صور الانتحار غرقاً، حسب هواري، ما تسجله الرابطة من لجوء البعض إلى رمي أجسادهم داخل الآبار والسدود والأحواض المائية، ويمثل هذا النمط 15 بالمائة من مجموع المنتحرين
جهاز العرس الذي أودى بها للبئر
قصة مأساوية وقعت في منطقة ذراع القايد التابعة لولاية بجاية 270 كلم شرق العاصمة الجزائر، تقدم نموذجاً لمعاناة الجزائريين التي تدفع ببعضهم للانتحار.
تعيش عائلة علاوة قرة الفقيرة، ذات الـ8 أفراد، منهم البكر صبرينة طالبة تخرجت من الجامعة في سنة 2016.
صبرينة ذات الـ26 ربيعاً كانت تحلم بزوج وبيت ووظيفة قد تساعد بها عائلتها التي كانت تعاني في صمت بسبب العوز، فأراد القدر أن يتحقق حلمها الأول وهو الزواج في شهر مايو/تموز 2016، لكن فرحة العائلة لم تكتمل، فقبل موعد الزفاف بنحو شهرين، الفتاة ترمي بنفسها في بئر يزيد عمقه عن 17 متراً.
يروي والدها ما حدث قائلاً: "لصبرينة صديقات هن أيضاً كن على أهبة الدخول إلى عش الزوجية، وكن كثيرات التردد إلى البيت، وكن كثيرات الحديث عن التحضيرات والمقتنيات وغيرها من الأمور".
يضيف علاوة لعربي بوست: "ابنتي صبرينة كانت تحلم بمثل تلك المقتنيات، ومستوى تلك التحضيرات، وكانت تروي لوالدتها كل ما يجري من حديث مع صديقاتها، لكن حالتنا الاجتماعية ليست للأسف في مستوى كل ذلك".
وبدموع الشوق إلى ابنته يقول علاوة: "في فجر الـ20 من مايو/تموز 2016 اطّلعنا على رسالة الوداع، ومكان الفاجعة، وعثرنا على عروسنا جثة هامدة بالبئر جوار البيت".