"العدل أساس العمران"، حقيقة صاغها أبو علم الاجتماع ومؤسسه ابن خلدون وثبتت ضرورتها وصدقيتها عبر العصور والأزمان.
أيضاً، كما أن العدل لازم لإقامة هذا العمران، هناك ضرورات أخرى ولوازم تولدت عبر مسار تطور وتنوع الحاكمية عبر العصور، وأشارت إلى حتميتها تجارب العلاقات بين الحاكمين والمحكومين، خصوصاً مع تطور الاتصال والتواصل وانفتحت سبُل المعرفة وانتشرت المعلومة، إحدى هذه الضرورات هي "الثقة"؛ الثقة بين الحاكم وشعبه، فمتى كانت هناك ثقة للشعب بحاكمه وبسياسته فإن العلاقة تتوطد واللُحمة تزيد وتقوى أواصر العمران.
الثقة، وأحد أوجهها الشفافية والنزاهة وحسن الأداء، في إطار المصلحة التي يبديها الحاكم مع معاونيه تُجاه مواطنيهم فيما يخص ويباشر الاهتمامات المشتركة في كل نواحيها الداخلية والخارجية بما يضمن الحقوق العامة والخاصة للأفراد والوطن.
وتتجلى الثقة في الإجماع الحاصل أو شبهه لدى المحكومين حول هذا الحاكم وسياسته، أما خلافها فهو سحبٌ للثقة.
أما إذا شاب هذه الثقة شكوك مدعمة، أو خالطها تلاعب موثق بالمصالح العليا للوطن، أو بمقدراته وثرواته، أو حصل نوع من استجلاب المفاسد والمكاره له في توافقات واتفاقيات سرية ومبهمة في غير مصلحة الشعب ومن غير علمه ولا رضائه، أو كذلك ثبت بالدليل عجز الحاكم أو معاونيه عجزاً واضحاً وحاداً عن إدارة وسياسة البلاد- فإن البناء المجتمعي سيصيبه التصدع وتلحقه الفوضى وتتلاشى معالم الولاء والطاعة، وقد تصل إلى الاحتقان والعصيان وضياع رابطة الحاكم والمحكومين وينفرط عقد العمران ولو بعد حين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.