ملاحظات حول العرس الديمقراطي الأردني.. هل تكتمل الزفة هذه المرة؟

في وجهة نظري فإن الانتخابات ببساطة هي ممارسة المواطن لحقه في اختيار مَن يمثله في السلطة التشريعية؛ لكي ينوب عنه في مراقبة السلطة التنفيذية، ولكي يصدر التشريعات والقوانين التي تغير حياة الناس إلى الأفضل، ولكي يكون صوت المواطن أمام الحكومة، ويكون قادراً على محاسبتها وإجبارها على محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/19 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/19 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش

ما زلت أذكر إلى اليوم دردشة حصلت بيني وبين أحد المحللين السياسيين الذين كنا نلجأ إليهم عادة لتقديم وجهة النظر الرسمية في تقاريرنا الإخبارية في حال تهرب الناطق باسم الحكومة عن الرد على اتصالاتنا أو رفض مقابلتنا.. حدثني حينها عن تجربته بعضوية مجلس "ما"؛ حيث تم اختياره من قبل الجهات الرسمية، فسألته عن كيفية التعامل مع زملائه المنتخبين في ذات المجلس، فقال لي: "حاول واحد فيهم يتفلسف علينا نحن "المعينين" على أساس أنه يمثل إرادة شعبية"، فرديت عليه وقلت له: "اضحك بهذا الكلام على ناس غيرنا.. اللي جابني واللي جابك هون.. واحد!!".

لم يدرك الرجل حينها أنه لخص لي جوهر العملية الانتخابية -برلمانية كانت أم بلدية- والتي سادت في الأردن خلال العقد الأخير، فالانتخابات وما يرافقها من ترشح ودعاية واقتراع وفرز ما هي إلا إجراءات أقرب إلى الشكلية لإعادة إنتاج مشهد سياسي تُحكم الدولة قبضتها على كل مفاصله، هل أكون متشائماً إذا اعتبرت مثلاً أن الانتخابات في بلدي باتت أقرب ما تكون إلى كرنفال يأتي كل عامين أو أربعة على الأكثر ينشغل فيه الناس دون أن يكون لهم قدرة حقيقية على اختيار الوجوه التي ستصعد على مسرحه.

قد تتبدل بعض الوجوه بين دورة وأخرى، وقد يحصل أحياناً بعض "الأكشن" الذي يثير حماس الجمهور وقد يتاح للبعض لعب أدوار -خارجة عن النص- لكنها تبقى في الغالب أدواراً هامشية لا تؤثر على مسار الأحداث ولا تنازع سلطة من يمسك حقاً بمفاتيح المسرح.

في وجهة نظري فإن الانتخابات ببساطة هي ممارسة المواطن لحقه في اختيار مَن يمثله في السلطة التشريعية؛ لكي ينوب عنه في مراقبة السلطة التنفيذية، ولكي يصدر التشريعات والقوانين التي تغير حياة الناس إلى الأفضل، ولكي يكون صوت المواطن أمام الحكومة، ويكون قادراً على محاسبتها وإجبارها على محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين.

فهل هذا الأمر يمكن تحقيقه في الانتخابات الأردنية؟ للأسف لا أعتقد ذلك.. القضية لا تنحصر بقانون الانتخابات البائس.. فما جرى في الدورات الانتخابية الأخيرة، لا سيما تلك التي رافقها تزوير فج ومن طغيان لظاهرة شراء الذمم والأصوات نال بشكل كبير من مكانة مجلس النواب ومن هيبة المقعد النيابي، وأضر بشكل كبير في العملية الانتخابية، بل إنه جعل كلمات مثل شفافة ونزيهة مجرد مفردات جوفاء فاقدة لمعناها أما تغنّي الإعلام الرسمي بما تسميه العرس الديمقراطي، فبات كالنكتة الباهتة التي لم تعد تضحك أحداً، وستحتاج الدولة للكثير من الوقت لمعالجة الأضرار التي وقعت واستفحلت، ودفعت كثيرين إلى النظر إلى يوم الانتخابات بوصفه يوم إجازة لا أكثر.

فهل سيتغير شيء ما بهذه الدورة؟ الرهان هنا على الدولة، بالمعنى الذي يدركه كثير من الأردنيين، وليس على حكومة الملقي، فأنا لا أذيع سراً عندما أقول إن المسار الذي ستجري وفقه العملية الانتخابية ستتحدد معالمه الرئيسية فيالقصر والدائرة، وإن السلطة التنفيذية سيقتصر دورها في الغالب على تنفيذ ذلك المسار وتأمينه.

أعتقد أنه لولا قرار الحركة الإسلامية بالمشاركة في هذه الانتخابات، الذي فاجأ أطرافاً عديدة، بما فيها جزء كبير من جمهور وأنصار الحركة نفسه، فضلاً عن خصومها الذين انشقوا عنها مؤخراً، فإن الانتخابات كانت في الغالب لتسير وفق سيناريو هادئ، فليس هناك ما تخشاه الدولة، لا سيما أن قانون الانتخابات سيحول دون وصول قوة سياسية مؤثرة ومنظمة إلى قبة البرلمان، لكن قرار الإسلاميين أربك المشهد وجعل الدولة تعيد حساباتها، لا سيما أنها تسابق الخطى منذ نحو عامين لنزع الشرعية عنهم وتفتيتهم بأدوات ناعمة وصناعة نسختها الخاصة "من الإخوان المسلمين".

لكن شعور تيار داخل الحركة الإسلامية بأن المشهد بات قاب قوسين أو أدنى من الخروج التام من دائرة الفعل السياسي في البلاد، وأنهم باتوا عاجزين حتى عن تنظيم إفطار رمضاني دفعهم لإحداث حراك داخلي بعيد عن الأضواء انتهى بتغييرات داخل قيادة الجماعة، وأيضاً باتخاذ قرار المشاركة بالانتخابات بعد سنين من المقاطعة أملاً بالخروج من عنق الزجاجة التي ضاقت عليهم.

ونجحوا إلى حد ما وخلال فترة وجيزة في لملمة المشهد وتنظيم تحالفات معقولة مع شخصيات وطنية ونقابية وتقديم قوائم تحت مظلة حزب جبهة العمل الإسلامي، قادرة على المنافسة إلى حد كبير، لا سيما في المحافظات الكبرى، كما تمكنوا من تنظيم فعاليات انتخابية حاشدة رغم غيابهم الطويل عن أجواء الدعاية الانتخابية، وعادوا مرة أخرى للتواصل المباشر مع الشارع مستفيدين من خبرتهم المتقدمة على باقي المرشحين والقوى السياسية في العمل الجماهيري والتواصل مع المواطن العادي.

ومع اقتراب يوم الاقتراع بقي التساؤل حاضراً حول كيفية تعامل الدولة مع امتحان مشاركة الإسلاميين فهي أرادت لهم أن يقاطعوا هذه المرة فخالفوا توقعاتها..
برأيي فإن ثمة 3 سيناريوهات محتملة لما سيجري في العشرين من سبتمبر/أيلول الحالي:

السيناريو الأول يرى أن الدولة وفي ظل قانون الانتخاب المعقد الذي سيجعل من إمكانية فوز الإسلاميين بأغلبية كبيرة أو حتى بأكثر من 30 مقعداً (من أصل 150) أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، فضلاً على أن التعديلات الدستورية الأخيرة التي قلصت من صلاحيات المجلس ودوره في "النظام الملكي" مهما كانت نسبة المعارضة داخل قبة البرلمان، كما أن النظام يمر اليوم بأفضل حالاته على عكس الإسلاميين المترنحين من الزلازل الداخلية والخارجية، فالحراك في الشارع انتهى ومعه الربيع، ولم يعد هناك ما يخشاه، سياسياً على الأقل؛ لذلك فخيار أن تتم الانتخابات بكل شفافية ونزاهة تبدو مغامرة مأمونة المخاطر، ويمكن أن تساعد الأردن بتقديم نفسه كبلد يسير بخطى حقيقية نحو تطوير الحالة "الديمقراطية" فيه.

السيناريو الثاني أنه إضافة لما ورد في السيناريو الأول، فإنه ربما يقتصر تدخل الدولة في مرحلة ما قبل الاقتراع بحيث تسعى إلى تقليص أعداد المقاعد المتوقعة أن يفوز بها الإسلاميون؛ لكي يحققوا نسبة هامشية من المقاعد (15-25)، مع إمكانية وضع "فيتو" على أسماء محدودة من المرشحين -داخل قوائم التحالف الوطني من أجل الإصلاح الذي يضم المرشحين الإسلاميين وحلفاءهم- للحيلولة دون تحقيق نجاح لافت على أن تمر أجواء التصويت والاقتراع بأريحية نسبية، وتضمن الدولة أن يأتي مجلس النواب القادم مريحاً لأي حكومة حتى لو سمعت كلمات قاسية بين الحين والآخر من النواب الإسلاميين.

أما السيناريو الثالث فهو العودة إلى أجواء انتخابات 2007 المخيفة -التي شهدت تزويراً فاضحاً وواسعاً أقر به حتى المركز الوطني لحقوق الإنسان الممول من الحكومة، بحيث تزج الدولة بكل ثقلها وأجهزتها وأدواتها في سبيل حرمان الإسلاميين من تحقيق أي إنجاز حتى لو كان مجرد حفنة من مقاعد في برلمان لا يملك صلاحيات "السلطة التشريعية الحقيقية"، وبحسب تسريبات بعض المرشحين الإسلاميين، فإن خشيتهم تكمن في لجوء الدولة إلى "العسكريين"، أي أفراد الجيش والأمن والدرك والدفاع المدني إضافة لدائرة المخابرات؛ لكي يقوموا بالمشاركة في عمليات الاقتراع.

أي من هذين السيناريوهات هو الأقرب للتحقق؟ شخصياً أتمنى الأول وأتوقع الثاني وأخشى كثيراً الثالث، فمهما حقق الإسلاميون وغيرهم من المعارضين أو المستقلين، فإن ذلك لن يؤثر بحال على العملية السياسية للبلاد التي يمسك النظام وعلى رأسه الملك بكل تفاصيلها، وأتوقع أن سقف الإسلاميين في الأردن انخفض كثيراً فهم لم يعودوا راغبين بالسلطة ولا حتى بالمشاركة بجزء منها، فهدفهم الرئيسي اليوم إيجاد مكان تحت الشمس، فضلاً عن أن تكلفة السيناريو الثالث ستكون مضرة للوطن عاجلاً أو أجلاً، وتمنح رسالة قاتمة لكل أردني ما زال يحلم بتطوير الديمقراطية في وطنة.

فهل تكتمل الزفة في العرس الانتخابي هذه المرة؟! نرجو ذلك، اللهم آمين.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد