ثورة الصعايدة

هل هذا معقول لا توجد إيجابية واحدة يستطيع الإعلام أن ينقلها ويتداولها فعلاً؟! ولكن هذا ليس صحيحاً، إذا أردت أن تعرف الصعايدة تعامل معهم، وناقشهم عن قرب، ستجد البساطة الساحرة والكرم، والمروءة، والحدود في التعامل مع الغير، والجدعنة، وغيرها من مكارم الأخلاق والعادات التي اندثرت في عالم المدينة الصاخب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/19 الساعة 02:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/19 الساعة 02:36 بتوقيت غرينتش

بالطبع أنتم تعرفون ماذا يقال عن الصعايدة؟
.
نعم إنهم جهلاء أو لا يعرفون شيئاً عن التقدم الحضاري أو الثقافي.. ولكن من وراء هذا التصور السخيف؟ إنه الإعلام الذي دائماً وأبداً يجسد الصعيدي على أنه: "ساذج – يرتدي ملابس قديمة جداً غير عصرية وأحياناً ممزقة – ينطق بلهجة مضحكة تنم عن غبائه – يتصرف بغير وعي وإدراك – من السهل خداعه – لديه عقل صلب متحجر – يرفض أن يذهب إلى الندوات والمؤتمرات الثقافية أو يشارك في الأعمال التطوعية – لا يفقه شيئاً عن فنون الأدب العالمي أو العامي حتى – عندما يذهب إلى عالم المدنية تجذبه الأضواء والصخب والزحام فينساق نحو الفساد الأخلاقي أو يرتاد المساجد ويتلقن العلم من الشيوخ فيصبح متشدداً أكثر وإرهابي الفكر والسلوك"..

وأيضاً في كل المسلسلات الصعيدية مثل "الضوء الشارد وسلسال الدم وذئاب الجبل" تعرض أن هناك قضية الثأر وتجارة السلاح "كالمطاريد"، وقضية الختان والأمية المتفشية، وأن المرأة الصعيدية إما أن تكون "امرأة قوية الشخصية جداً بلا مشاعر وقلب – لا تهتم بنفسها أبداً – قبيحة جداً – لهجتها عنيفة، وأنها تتغذى على رصاص البنادق والطبنجات – لا تطرق الرومانسية قلبها"، وأن الوالد رجل صعب المراس، ويرغمها على الزواج من ابن عمها، وذو عقل متحجر لا يقبل المشورة، ويتعرف على "غوازي" الأفراح، والوالدة ذات شخصية سلبية جداً لم تتعلم دراسياً، ولا تجيد سوى الطبخ، ودائماً تسعى لزواج الأبناء فقط، لا هدف لها آخر.

والطامة الكبرى أنهم يصورون أن كل الصعايدة يجرون طقوساً بعد الزفاف مباشرة ليتبينوا من شرف الفتاة، وهذا ليس له أساس في الواقع، ويروجون لفكرة أن طاعة الزوج تخلف ومهانة لا بد من الحرية والانفلات.. وغيرها من السلبيات التي لا حصر لها.

هل هذا معقول لا توجد إيجابية واحدة يستطيع الإعلام أن ينقلها ويتداولها فعلاً؟! ولكن هذا ليس صحيحاً، إذا أردت أن تعرف الصعايدة تعامل معهم، وناقشهم عن قرب، ستجد البساطة الساحرة والكرم، والمروءة، والحدود في التعامل مع الغير، والجدعنة، وغيرها من مكارم الأخلاق والعادات التي اندثرت في عالم المدينة الصاخب.

أتذكر موقفين أغضباني حقاً وتضايقت من كونى صعيدية؛ أول موقف منذ عام بعد امتحان الشفوي، سألتني الدكتورة: "هو انتي منين؟"، فأجبتها أني من الصعيد، محافظة سوهاج.

نظرت بدهشة وقالت بتلقائية: "اصل انتي بيضة وعيونك ملونة ولهجتك رقيقة زي سكان القاهرة معقولة تكوني من الصعيد!!"، فقلت في نفسي: تباً منذ متى وأصبح الجمال والثقافة والإتيكيت حكراً على أهل القاهرة ووجه بحري فقط.

والموقف الآخر عند انتظاري على محطة القطار(رمسيس)، وكانت تجلس بجواري عائلة من محافظة أسيوط، وجدت أحد المارة القاهريين يستهزئون من ملابسهم وطريقة لهجتهم، هل هذا ما جناه الإعلام أن يتم السخرية منا؟

هناك كتاب للكاتب الصحفي أشرف الثعلبي بعنوان "جمهورية الصعيد" يحذر فيه من توقع انفصال الصعيد مثل انفصال جنوب السودان، وهذا ما جاء بناء على حملة شنتها وسائل الإعلام تدعو لإعلان انفصال الصعيد عن جمهورية مصر العربية في بعض محافظات الصعيد، وتم توزيع منشورات بذلك.

هذا الكتاب يتحدث عن مشكلات الصعايدة فعلاً وهمومهم، وأن الحكومة تتعمد إقصاءهم عن المشهد، وأن المواطن الصعيدي مواطن من الدرجة الثانية، والكتاب مقسم إلى تسعة فصول: الفصل الأول يسرد تاريخ وجغرافيا محافظات الصعيد والتعريف بالهوية الصعيدية الحقيقية، والفصل الثاني بعنوان جذور الاضطهاد ويتحدث عن التجاهل المتعمد والأمية والفقر والبطالة، والفصل الثالث يتناول الصعايدة والدراما، وإيضاح الفرق الشاسع بين الصعيدي في الدراما، وعلى ما هو عليه في أرض الواقع، والفصل الرابع يتناول النكات التي تختزل الصعيدي على أنه أحمق، غبي أبله.

أما الفصل الخامس فيرسم صورة الصعيد في عيون المستشرقين والغرب ونظرة الأجانب للصعايدة، والفصل السادس يتناول محاولات انفصال الصعيد مثلما حدث في عهد شيخ العرب همام والشيخ الطيب الهواري عام 1867م في عهد الخديو إسماعيل باشا.

ويتحدث الفصل السابع عن مخططات تقسيم الوطن، فقد تم العثور على عدد من المخططات الصهيونية، التي من أهدافها تقسيم مصر إلى دويلات، وأن الصعيد يصبح دولة في جنوب مصر

أما الفصل الثامن فيتحدث عن الخوف من تكرار السيناريو السوداني للتقسيم وآلية حدوثه في مصر، إذ إنه تم تقسيم السودان إلى دويلات فعلاً، ويخشى من حدوث هذا؛ لأن الظروف والعوامل تتشابه إلى حد كبير مع السودان.

وأخيراً يوضح في كتابه قضية النوبة ما بين الغربة وحق العودة خلال أكثر من قرن من الزمن، ومعاناة أهل النوبة وحقهم في العودة لبلادهم، النوبة القديمة "بلاد الذهب"، بعد أن ضحوا بالغالي والنفيس منذ عام 1902 حتى الآن.

ولكن لم يكتفِ الإعلام فقط بالاستهزاء بنا فحسب، بل تجاوز الأمور الحدود والمنطق، فلقد استضاف الإعلامي خيري رمضان هذا المدعو "تيمور السبكي"، الذي قال بالنص "إن نساء الصعيد عاهرات، وإن لديهن استعداداً فطرياً للانحراف، ولكن يحتجن الفرصة والتوجيه، وخصوصاً عند غياب الزوج عنهن وسفره للخارج، فإنهم يشعرون بالميل للانحراف".

بالطبع جاء رد الصعايدة على هيئة فيديوهات على قناة يوتيوب بالسب والقذف على تيمور السبكي، ووعدوه بقتله عاجلاً أو آجلاً، ولكن هذا في رأيي ليس رادعاً وكافياً؛ لأن هذه قد تكون الشرارة الأولى لانفجار ضخم، فبدلاً من أن كنت تضغط على محرك البحث جوجل، وتجد النتائج "نكت على الصعايدة – قضية الثأر والختان والجهل"، ستجد لاحقاً قضايا عن الشرف والنسب، في رأيي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد