إنه تشرين

أحاول القعود فأملّ الجلوس، فأكتب ثم لا أتوقف، ثم أقرأ ثم أصبح كالبركان الذي يريد الصراخ، أريد الصراخ، الصراخ (أهدأ) والوقت ليس كافياً، وإني مع ذلك أريد أن أحلق وأطير وهذا جنون لذيذ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/20 الساعة 03:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/20 الساعة 03:46 بتوقيت غرينتش

إنه تشرين، إنني ألاحظ في لحظة سهيان مع نفسي أنني ألاحظ الأشياء نفسها لكن بنمط آخر وبطريقة أخرى، ألاحظ أبعد من نفسي والمحيط الذي يدور من حولي.

يدور في بالي أحياناً بل أياماً طويلة في جلسة على كرسي أن الأمر تجاوز كوني أراقب كل ما يدور حولي إلى أقرب نقطة وأبعدها هي كينونتي.

والغريب أنني ألاحظ بالطبع أنني أتغير، ربما من الواجب أن أبصر هذا التحول قبل أي أحد حتى أقول إنني أذوي.

أريد أن أعبر، أن أبكي، أن أطير، أن أصرخ، أن أتفاعل معي حين كنت على وشك الانحدار إلى لعنة المراهقة.

إني أكتب عن هزائمي النفسية أولاً وهزائم أخرى سابعاً -مضحك- أكثر من كتاباتي عن انتصاراتي القليلة الكثرة، عن الانكسار مرة وألف مرة… ماذا عن الحنين؟

أي شيء المهم أنني أعبر عن الهلوسة التي أصيبها وتصيبني ومن ثم أصبنا بعضنا البعض (مزعج).

إن التغير الذي طرأ عليّ وطرق بابي وفتحت له تجاوز عدة مراحل، لعل من أبرزها مراحل النضج والعمق.

أتذكر اليوم ماذا فعلت مقارنة بالأمس الذي لم يمر عليه أربع وعشرون ساعة، أبتسم وأتساءل إنني واجهت شيئاً ما برحابة صدر كيف تأقلمت بسرعة مع هذه الرحابة؟ هذا يعني أنني تعودت لدرجة أني فقدت ردة الفعل السريعة حين أصادف سذجاً على سبيل المثال. إنه أمر عظيم ورائع؛ لأني بكل بساطة تعبت المبارزات، تعبت منها حقاً أصلاً لماذا؟

إني أتابع حلمي وأشياء كثيرة بصمت وأتبع قاعدة "اعمل بصمت واضرب بقوة".

سواء راقبت نفسي أو راقبت شرفتي وألوان غرفتي التي شحّت لا يعنيني، بكون الأمر بات كأنه سراب وقد انتفض منّي جلدي. إن فكرة المراقبة ليست صحيحة؛ لأنني فعلاً لم أعد أنا، سواء راقبت أم لم أفعل لست أنا ما أنا عليه، هل هو تشرين؟

إنني أستمر بخطوات ثابتة جداً، وأعي أن الحياة كلما استمرت فإنها لا تعود إلى الوراء هكذا أنا والإنسان.

خذ على سبيل المثال، اليوم أنت قمت بتعزيل غرفتك لكن إذا تركتها يومين فقط ستعود كما كانت وربما أسوأ، هكذا الإنسان إما يقوم بصقل نفسه كل يوم أو يعود بائساً.

إنك أيها الإنسان تتغير، تتوغل، تتعمق ثم تختلف وتختنق وتنفرج كأنك لم تكن لو لا أنك كنت ما كنت عليه.

يوماً بعد يوم، كلما نظرت إلى الساعة تجد الوقت يجري، المواعيد تتغير معي، الصحبة أغيرها وتغيرني، رسائلي التي تنتظر، عناوين النصوص التي لم تمت بعد، الكتب التي تعتلي الرفوف تنادي أيضاً، المحادثات التي لا تنتهي، الكلمات المتواصلة، ثقب جوربي وآخر المحطة.

هل ستعود أدراجك؟ هنا مربط الخيل.
بالطبع لا، لقد طلقت الماضي وأجهضت آخر ما تبقى منه كلياً فبه كنت تموت أكثر.

كلما زارني شعور الوقوف لأرتاح، أخاف التوقف أكثر؛ لذلك استمر بامتنان وروح أخرى عميقة مع نفسي؛ لأنني عشت العجز مع نفسي، ولم ينصفني الماضي اللعين البائس.

إني أعيش وهذا أهون عندي أن أتوقف، أحاول الانبعاث من جديد، لكنني عاجزة نسبياً، فأنا في ضغط مروع.

أحاول القعود فأملّ الجلوس، فأكتب ثم لا أتوقف، ثم أقرأ ثم أصبح كالبركان الذي يريد الصراخ، أريد الصراخ، الصراخ (أهدأ) والوقت ليس كافياً، وإني مع ذلك أريد أن أحلق وأطير وهذا جنون لذيذ.

أقاوم الحياة، بكل التفاصيل، لكنني لم أحاول يوماً أن أشرح لها كم هي بائسة.

ثم أحوّل صراخي إلى نص ذهني غير مفهوم أو قصيدة إباحية ملوثة وربما إلى رسائل صامت ضد الكرسي الذي يجلس عليه الطاغية وزد على ذلك أنني أمسك في قشة، ولكن لا أستسلم.

أترك قلمي يمضي وأحلامي تمضي، ولا أحبذ أن أبقى كالطفلة تنتظر دمية، فأبي لم يهدني دمية يوماً، بل أعطاني كتاباً ولكنه تشرين شهري وشهركم وماذا عن الأحلام في وطني وإني بها موجوعة، أعيد إليّ وطني وأحلام الطفولة المنهوبة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد