السبيل الى توفير شروط الإنقاذ الوطني

الأمر الوحيد الذي نسمعه من أفواه أعضاء (الهيئة العليا) بين الحين والآخر وضمن سياقات ومناقشات عامة هو اعتماد جيش وطني موحد، وقد يكون ذلك إحدى المهام الواجب إنجازها في يوم ما

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/26 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/26 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش

الساعون إلى تحقيق السلام عبر التفاوض مع النظام من بوابة جنيف وقبل غيرهم توصلوا إلى انطباعات متشائمة، بل يواجهون الطريق المسدود، هذا إن لم يكونوا قد خدعوا بالوعود أو آمال عقدت عليها باجتهادات لا تستند إلى أساس، أو قدموا التنازل تلو الآخر، كما أراده الآخرون، ومنهم النظام وحلفاؤه الدوليون من روس وإيرانيين لإطالة الوقت الذي يمر عملياً لصالح تحسين الظروف العسكرية لقوى الأعداء وتمددهم على الأرض في العديد من المناطق؛ لتكون المحصلة تغييراً في ميزان قوى الصراع وانعكاسه سلباً على مفاوضي (الهيئة العليا) المنبثقة عن مؤتمر الرياض، التي وعدت السوريين بنصرة ثورتهم وإلحاق الهزيمة بنظام الاستبداد.

الفصائل المسلحة التي أعلنت قبولها لمقررات ونتائج مؤتمر الرياض من بعض تشكيلات الجيش الحر أو ذات التوجه الإسلامي مثل (جيش الإسلام وإلى درجة ما أحرار الشام) تعرضت منذ ذاك إلى التراجع في جبهات القتال، وخصوصاً في حلب وريفها والغوطة وريف دمشق، وتلقت الضربات الموجعة من طيران النظام وحليفه الروسي، بل إن بعضها تعرض إلى الانشقاقات والمواجهات الداخلية، ولم تكن أجهزة النظام وروسيا ببعيدة عن حصول اختراقات وتأليب بعض الجماعات على البعض الآخر، خصوصاً في الغوطة، خاصرة العاصمة ونقطة ضعف حكم الأسد، ولم يكن مستبعداً أن تقوم (النصرة) وبعض أجنحة (داعش) بتقديم الدعم لقوى النظام، وذلك تنفيذاً لالتزامات سابقة وكرهاً بالثورة السورية.

كثيراً ما نسمع من أعضاء (هيئة التفاوض) تعداد الأسباب والظروف السلبية الداخلية والخارجية، ومن بينها إلقاء اللوم على (أصدقاء الشعب السوري) بتخليهم عن التزاماتهم ومعاتبة الإدارة الأميركية على سلبيتها بل (خيانتها) أو تواطئها مع القيادة الروسية ومداراتها لإيران، أو ضعف الدعم العربي الرسمي، وانشغال نظم الخليج بقضاياها الداخلية والحرب باليمن أو مخططات الروس في شق صفوف المعارضة وتفريخ مجموعات جديدة من الموالية للنظام، أو تراجع تركيا في التزاماتها السابقة بسبب مشاكلها الداخلية، وتراكض الأوروبيين نحو طهران لإعادة الحياة إلى الاقتصاد الإيراني الذي يضخ النظام السوري والميليشيات الموالية بالمال والسلاح إضافة طبعاً إلى المقاتلين.

قد يكون كل أو معظم هذه الأسباب في غاية الصحة، ولكنها ليست بجديدة، فقد كانت قائمة بغالبيتها قبل الموافقة على المشاركة بمفاوضات جنيف 3، ولذلك تعتبر من باب الذرائع ولن تقنع السوريين، فمن بين كل تلك الأسباب لا نجد سبباً واحداً يتصل بالوضع الداخلي من جهة هل مؤتمر الرياض مثل الشرعية الثورية؟ أو هل قراراته انطلقت من مبادئ الثورة؟ أو هل كان هناك إجماع وطني على نهج مؤتمر الرياض وقبل ذلك على شرعية وسياسة الائتلاف؟ كان بالإمكان قبول ما حصل لو سبق ذلك عقد مؤتمر وطني شامل وتمخض عنه برنامج سياسي وخارطة طريق وقيادة أو مجلس سياسي عسكري منتخب مخول لمواجهة تحديات السلم والحرب.

أمام إخفاقات وتراجعات (الهيئة التفاوضية العليا) وهي امتداد لكل من المجلس الوطني والائتلاف شكلاً ومضموناً بإضافة تيار جاء من صلب النظام الحاكم وحزبه وإدارته لم نسمع من القائمين عليها أي مقترح مقنع على طريق المعالجة، ولم تصدر أية اشارة توحي بنوع من النقد الذاتي أو البحث عن خيار آخر، وكأنها مقطوعة الجذور من شعب يشكل المرجعية بشرعيتيه الوطنية والثورية، ويعاني القتل والدمار والهجرة والنزوح وأحوج ما يكون إلى الحماية وإعادة الأمل بالمستقبل، ففي مثل هذه الحالة الماثلة لا بد من العودة إلى الشعب لتصحيح المسار وإعادة البناء وتعزيز الصفوف.

الأمر الوحيد الذي نسمعه من أفواه أعضاء (الهيئة العليا) بين الحين والآخر وضمن سياقات ومناقشات عامة هو اعتماد جيش وطني موحد، وقد يكون ذلك إحدى المهام الواجب إنجازها في يوم ما، ولكنه يجب أن يسبقه الإجماع الوطني من خلال المؤتمر السوري العام، وأن يعاد تشكيل قيادة سياسية عسكرية شرعية ممثلة عن كل المكونات الوطنية، ويصاغ البرنامج السياسي، ومن ثم يمكن البدء بمسألة إعادة هيكلة الجيش الحر، وإعادة بنائه على أسس سليمة ديمقراطية بعيدة عن الأيديولوجيات الإسلامية والقومية والفئوية ومنسجمة مع حقيقة التنوع في المجتمع السوري، فلا بد قبل كل شيء من توافر العامل السياسي الذاتي والموضوعي قبل الشروع في بناء أي جسم عسكري من أجل سلامته وضمان بقائه ضمن أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية.

من أجل أن تكون المساعي والمحاولات إنقاذية ناجحة ضامنة لا بد من تعاون الجميع، وأقصد هنا من يتصدرون الآن المشهد السياسي والعسكري، أو بعبارة أدق وأصح البعض منهم، بالإضافة إلى المجموعات الشبابية والكتل الناشطة والشخصيات الوطنية والتيارات الثورية، وأعداد من ضباط وأفراد الجيش الحر والشرطة الذين استبعدوا أو أبعدوا أنفسهم، وكل عمل جبار يبدأ بخطوة مسبقة، وهي لجنة تحضيرية توافقية معبرة عن الأطياف الوطنية السورية، وبذلك يمكن الانتقال من ثقافة عتاب الآخر، وتعداد الذرائع، ووضع اللوم على الخارج، إلى الواقع الملموس وتشخيص أسباب الأزمة ومعالجتها اعتماداً على شعبنا العظيم وقدراته الخلاقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد