كان الانقلاب العسكري التركي على الحكومة مُفاجئاً للأتراك والعالم، حيث شاركت أعلى قيادات الجيش والشرطة والداخلية، وتحركوا سَريعاً، وقاموا بالهجوم على البرلمان والمخابرات والمجمع الرئاسي وباقي مَباني الدولة حتى وصلوا للفندق الذي يُقيم فيه أردوغان لقتله، ارتبكت الحكومة التركية وقاربت على الانهيار، خصوصاً عندما احتل الانقلابيون مَبنى الإذاعة الرسمية التركية وأعلنوا السيطرة على البلاد وقطع الجسور والطرق.
في النهاية حسم الشعب التركي الموقف، وحافظ على الحكومة المنتخبة والنظام الديمقراطي، وبعد سَيطرة الحكومة التركية، وبدء حَملة اعتقال الانقلابيين، كان مُتوقعاً أن يُهيئ الاتحاد الأوروبي بقاء الحكومة التي تُمثل إرادة الشعب والنظام الديمقراطي؛ لأنهم حماة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.
لكنه على العكس انتفض وكأن من اعتقلوا كانوا من مُواطنيه وبعثاته الدبلوماسية، فقد انطلقت الانتقادات والتصريحات الدبلوماسية المشابهة للتهديدات، المسؤولون في مَجلس أوروبا اعتبروا أن "التوقيفات والإقالات الجماعية لقضاة ليست وسيلة مَقبولة لإعادة الديمقراطية"، الممثلة العليا للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، قالت خلال مُؤتمر صحفي: "لن تصبح أي دولة تُنفذ حُكم الإعدام عضوة في الاتحاد الأوروبي"، في إشارة إلى عدم الموافقة على إعدام من قام بالانقلاب وقتل المدنيين وحاول إسقاط النظام الديمقراطي.
وزير خارجية بلجيكا، ديدييه ريندرز قال "إنه قلق من اعتقالات القضاة ومن اقتراح أردوغان إعدام مُدبري الانقلاب"، مُضيفا أن ذلك سيتسبب في مُشكلة لعلاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي"، وزير الخارجية الفرنسي آجان مارك آيرولت طالب تركيا باحترام دولة القانون، رافضاً حَملة التطهير الواسعة غداة الانقلاب الفاشل، صحيفة الإندبندنت البريطانية كتبت: الانقلاب فَشل لكن التاريخ يُعلمنا أنه لن يَمر وقت طويل حتى يَنجح انقلاب آخر، وكأنها تُشجع لانقلاب آخر، صحيفة التليغراف البريطانية كتبت: المنقلبون في تركيا يَرون أنفسهم المدافعين عن علمانية الدولة، وهنا الصحيفة تُعطيهم العذر بالانقلاب ولا تدين عَدم شرعية الانقلاب وأعمال القتل.
أليس من الغريب أن يَقف الاتحاد الأوروبي مع الانقلابيين، وهو الذي يدعي حماة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وكل ما شباه ذلك، بل إنه تناسى إن هذا الانقلاب راح ضحيته قُرابة مائتي شَخص وجُرح 14000 آخرين من المدنيين العزل ولم يُصدر بيان استنكار وإدانة للأعمال الإجرامية، وتناسى الاعتقالات المجحفة بحق قادة الجيش والمسؤولين الحكوميين، فلو تخيلنا أن الانقلاب قد نَجح في تركيا، هل كان الاتحاد الأوروبي سَيُجبر الحكومة العسكرية على تأسيس نظام ديمقراطي واحترام حُقوق الإنسان وحُرية التعبير، وهل من المتوقع من الحكومات العسكرية أن تقوم بهذه الأعمال.
وفي المقابل ظهر تناقض الاتحاد الأوروبي عندما لم يمنع بريطانيا من المشاركة بغزو العراق الذي خالف القوانين الدولية، وخالف القرار 1441 الذي لا يُعطي الحق باستخدام القوة العسكرية ضد العراق لإسقاط نظامه، وهذا ما أكدته روسيا والصين وفرنسا، الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن.
وحتى بعد اعتراف توني بلير بخطأ غزو العراق، تغاضى الاتحاد الأوروبي عن إدانته بأشد العبارات، وهذه التناقضات تُبين أنه يدعم إسقاط الأنظمة والحكومات بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحُرية التعبير، وتناقض أيضاً وتغاضى عن انتقاد تصريحات رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" عندما أعلنت بأنها مُستعدة "للمصادقة على توجيه ضَربة نووية قد تقتل مِئات آلاف الأبرياء" إن تطلب الأمر. ولكن عندما تطلب الأمر من النظام التركي حِماية نفسه دون قتل آلاف الأبرياء الذين قتلوا أصلاً على يد الانقلابيين، كانت تلك في نظر الاتحاد الأوروبي جريمة، إن من يدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها يَجب أن يُطبقها على نفسهِ أولاً، ومن ثم على الآخرين، وأن يَعرف أن استخدام القوة مَشروع لحماية بقاء واستقرار البلاد وأمن الشعب وهيبة الدولة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.