ساعد تفكيره

كونوا بالقرب من أبنائكم وأسرفوا في حبهم والتقرب منهم، واحتووا أفكارهم وعقولهم وتقبلوها واحموهم من الخاطئ منها بالنقاش والحوار والعطف والدعاء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/24 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/24 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

هل نعتقد أنه إذا فكر شاب أو فتاة -على سبيل المثال لا الحصر- في الإلحاد أو الانضمام لجماعة متطرفة، عليه أن يذهب إلى والديه ويخبرهما ذلك؟!
أو أن شاباً يريد أن يدخن هل سيخبر والديه بالأمر؟

حسنٌ كيف يا ترى ستكون ردة فعل الآباء والأمهات؟! القبول، الإعراض، الضرب، الطرد، الغضب والهجر!
إذاً يسلك الشاب أو الفتاة طريقاً أيسر ويطيع فكره أو يذهب ويخبر أحدهما الذي ربما يكون سيئاً في التوجيه، فيضيع الشاب أو الفتاة ويخسر الأبوين!
قديماً دخل فتى على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، وأطلق العنان للسانه وتكلم على مسمع كل مَن في المجلس وقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! نعم هكذا أفصح وهكذا تكلم!

تخيلوا ذلك في مجلسكم يدخل شاب ويقول نفس القول أو فتى يدخل على أبويه ويقول ذلك، أعتقد أنه سيموت ضرباً أو سيكون معه عاهة مستديمة بعدها، أو أننا سننشئ هاشتاغ #فتى_الزنا ونرفع فيه صوت السب والشتم!

حسناً نعود لذلك الشاب في عهد الرسول؛ حيث تضجر القوم فزجروه، وقالوا: "مه مه"، بمعنى النكران على هذا القول، بينما عليه الصلاة والسلام قال كلمة تربوية حانية راقية، وقال: "ادنه"، ماذا لو قال الرسول اذهب، ولا تفكر بالأمر؛ لأنه حرام، أو قال احترمني واحترم مجلسي واخرج من هنا، فسيخرج الشاب ويفعل ما تسوّل له نفسه، لكن الرسول بهذه الكلمة لم يرد بها فعل المشي والدنو، بل قصد قلبه إليه.

فدنا الشاب من النبي -عليه الصلاة والسلام- وجلس بقربه، كان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجلسه ويخبره أن ذلك من العيب ومن الحرام، واتقِ الله واذهب ولا تفعل ذلك مرة أخرى، وينتهي الأمر!
ولكن رسولنا الحبيب يعلم أن هذا الأسلوب لا يتماشى مع شاب يفكر بهذه الطريقة، يعلم أنه لو فعل ذلك فلن يفيد الفتى ولن يمنعه عن هذا التفكير، فماذا صنع محمد عليه الصلاة والسلام؟

صنع أسلوباً تربوياً راقياً، فقد تسلل إلى فكره واحتوى عقله وحنّ على قلبه، ناقشه في فكرته حتى وإن كانت خاطئة، بل وتعتبر فاحشة، ولكنه صلى الله عليه وسلم تبادل معه محاور فكرته كي يبعدها عنه
، فقال: "أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول اللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم".

لم يكتفِ عليه الصلاة والسلام بضرب المثل بالأم فقط أو الأخت فقط، بل عدد له محارمه ليقنعه بالأمر ويوسع مدارك تفكيره ويبعد عنه التفكير الأناني الذي يريد أن يحقق منه رغباته ونزواته.

ماذا لو كان صُنع الرسول أن يقول له لا تفكر بذلك وانسَ هذا الأمر؛ لأنه حرام وسكت؟! لما أجدى ذلك نفعاً، ماذا لو نهره وزجره؟! أيضاً لما أفاد الشاب؛ لأنه بذلك لن يغير شيئاً في فكر الشاب، خاصة أنه يعلم أنه فِعل محرم! بل احتواه عليه الصلاة والسلام بكل ود ومحبة.

وبعد النقاش والاقناع لم يقل له الرسول هيا اذهب، بل أشرك العاطفة مع التربية؛ ليعلمنا أن التربية تحتاج للعاطفة، بل من مقومتها الأساسية، ليعلمنا أن العاطفة للطفل وللمراهق وللشاب يجب أن نعطي منها ولا نبخل، فجسد لنا أن وضع يده عليه، وقال: "اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه".

كان الرسول يستطيع أن يدعو بذلك في الغيب أو بلسانه ولكنه وضع يده عليه ليجسد لنا معنى قوة المحبة والعطف والحنان، ويعلمنا أن للدعاء تأثيراً في النفس، فالدعاء على مسمع الأبناء يضفي على قلوبهم سعادة كبيرة، لا تقولوا أيها الآباء والأمهات نحن ندعو لهم في الصلاة وفي مواطن الدعاء، نعم ذلك مطلوب لكن الدعاء أمامهم يؤثر تأثيراً إيجابياً في النفس، وكذلك احتضانهم وملامستهم وجلوسهم بالقرب منكم ومسك أيديهم يعزز القرب لديهم من الوالدين ويعزز الثقة في أنفسهم، ويكسر أي مخاوف لديهم.

كونوا بالقرب من أبنائكم وأسرفوا في حبهم والتقرب منهم، واحتووا أفكارهم وعقولهم وتقبلوها واحموهم من الخاطئ منها بالنقاش والحوار والعطف والدعاء.

وهذا حديث قصتنا: عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: (إن فتى شاباً أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) رواه أحمد.
وفي رواية أخرى: وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه (الزنا).
جعل الله بيوتكم محمية بالحب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد