القدس.. لحظة الميلاد

السؤال هنا: متى تحين لحظة ميلاد الأمة؟ كنتُ حين أقرأ في تاريخ الحركات الإسلامية ونشأتها أرى في سقوط الخلافة لحظةً جليلةً وقديرةً بأن تُمثل الخطَّ الفاصل بين الظلام والنور، فلقد خرجت من رحم تلك اللحظة العديدُ من الحركات التي دأبت على استعادة المجد الأول لدولة الإسلام.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/25 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/25 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

لطالما وقفت مشدوهاً أمام تلك اللحظة العبقرية، التي تتزامن فيها أشد لحظات الألم ولحظة بداية جديدة لمولود جديد، وكنت أفكر في الحكمة من أن يقترن الألم بالسعادة، وجدتُ العبقريةَ ذاتها في مشهد بزوغ الفجر، حيث ميلاد النور من أشد لحظات الليل ظلاماً، فإذا هي سُنة كونية تسري على الأشياء، وإذا هي لحظة قبلها ليس كبعدها، فرؤية العالم ملوناً ليست كرؤيته في جنح الظلام.

السؤال هنا: متى تحين لحظة ميلاد الأمة؟ كنتُ حين أقرأ في تاريخ الحركات الإسلامية ونشأتها أرى في سقوط الخلافة لحظةً جليلةً وقديرةً بأن تُمثل الخطَّ الفاصل بين الظلام والنور، فلقد خرجت من رحم تلك اللحظة العديدُ من الحركات التي دأبت على استعادة المجد الأول لدولة الإسلام.

لكن وبعد مرور مائة عام على تلك اللحظة، تبدَّلت نظرتي لها، فصارت أقربَ إلى لحظات الطلق قبل الولادة، صحيح قد تكون هي أشدها قسوة؛ لكن بالنظر إلى ما وصل إليه حال أمتنا لا يصلح وصفها بلحظة الميلاد.

نتحدث عن أمة غارقة، في زمن التيه، ضياع للدين إما بيد أهله أو بقصد أعدائه، ما بين تمييع للدين وعلمنة صريحة، حتى مهد هذا الدين لم يسلم من صريح التغريب ونسف الهوية.

ونتحدث عن هوان النفس، فيكفيك شهادة الإسلام حتى تصير إرهابياً يُستباح دمه وعرضه، أو أقلية ليس لها نصير يُهاب ركنه، فتذبح ويستباح نساؤها.

ونتحدث عن قلب العالم الإسلامي تحت وطأة الاستبداد، فأنت في وطنك إما رهن الاعتقال، أو غريب مطارد، أو مطرود شريد في أرض الله.

اختصاراً، لن تجد موقعاً على الخريطة يُرفع فيه الأذان إلا وستسمع فيه أنين الاستضعاف والضياع.

وكما سجل بيت المقدس وعرف نفسه عبر التاريخ على أنه مقياس الحياة والموات لهذه الأمة، كان طبيعياً لما تقدم من حال أن تضيع القدس، بإعلانها عاصمة لإسرائيل.

فهل تكون تلك هي لحظة الميلاد؟ علمتني سنين سجني الأربع أن أرى وأقرأ بمنظور مختلف، جعلني أتطلع إلى تلك اللحظة، وقد استحوذ عليَّ الأمل وغمرتني السعادة، وقد رأيتُ أن خيوط النور تشقُّ طريقها، وأن حياةً جديدة تعلن بدايتها، حتى إني رأيت تلك الأنوار تخرج من هنا من سجون فراعين الأمة، فمن رحم الظلم والمعاناة والأسر سيخرج جيل، بعد أن عزله الله وحفظه من الفتن، وبعد سنين من الإعداد والصناعة على العين.

سيخرج ليفكر ويتدبر ويراجع ويرسم المستقبل بنظرة واسعة الأفق، عميقة الإدراك، متحررة من قيود وتابوهات الماضي. جيل رباني متخصص وقائد، فانتظروه، انتظروا أحلامه، مشاريعه ومؤسساته، واتَّبعوه وهو يغير وجه العالم، ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويحقق مراد الله في الأرض باستعادة حضارة الإنسان الخليفة المُعمِّر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد