نتألم من قسوة الظروف التي نعيشها كل يوم، ونتألم من قسوة الحاضر الذي فرض علينا في حياتنا، ونتألم عندما نحنّ لماضينا ولألعابنا التي عاشت معنا دون أن تعرف الألم، ونتألم أكثر عندما نرى أحداً يصنع الألم ويسكبه في قلوب أحبتنا.
الحياة مدرسة بكافة الفروع، ونحن وقود الحياة؛ إما أن نفنى لإنجاز فكرة ونرعاها حتى تكبر وتصبح ثمرة، أو نموت دون تقدم مع دمعة على سرير الموت تلخص جميع الذكريات.
لن يبقى لنا ما كنا عليه في الماضي، فالسابق أوهام نتألم عند الشعور بأننا فقدناه وتشتاق له الذاكرة مهما كانت أمنياتنا كبيرة للرجوع إلى ما كنا فيه، فقد كان قدر الله أقوى من أمانينا وذكرياتنا وماضينا التي عشناها ولم ننسَها.
لعلنا لم ندرك أن السعي وراء المستقبل هو الذي سيجلب لنا ماضياً نستمتع بتذوق ثماره.
لعلنا لم ندرك أن (واحد زائد واحد) لا تساوي اثنين، كما تعلمنا في المدرسة، بل تساوي الكثير في ظل مشيئة الله.
لعلنا لم نعلم أن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس لم يأخذ هذا اللقب عن عبث، بل كان يمتلك لساناً سؤولاً، وقلباً عَقولاً، وما خاب مَن سأل، ففي السؤال نصف الإجابة.
لعلنا لم نعلم يوماً أن الله تعالى خلقنا مسلمين، وسيتوفانا مسلمين، ويوم نبعث سنبعث مسلمين، وأن الله لن ينسى المسلمين أو يتركهم في الحرب والعذاب تحت القصف والتدمير، وهذا دليل على أن الله كان يبعث بالملائكة لِتظل آسيا بنت مزاحم عندما كان فرعون قد صلبها لمجرد إيمانها بالله، فالذي كان يبعث بالملائكة لتظل وجهها من حر الشمس لن يصعب عليه أن ينجيها من محنتها، لكنه أجل ذلك لما فيه من خير لها .
لعلنا لم نعلم أن الله فضّلنا على كثير من خلقه، وجعل الصحة والعافية تاجاً على رأس من ينعم بهما، لعلنا لم نعلم أن من كمال إحسان الله تعالى أن يذيق عبده مرارة الكسر قبل حلاوة الجبر، ويعرفه قدر نعمته عليه بأن يبتليه بضدها.
لعلنا لم نعلم ما كنا سننجز لو لم ننظر إلى الماضي، لكن لو تفتح عمل الشيطان فلننسخها من قاموس أفكارنا، ولنجعل الماضي عبرةً لتفادي أخطائنا.
ما الماضي إلا ذكرى مؤلمة تجعل في القلب أثراً مع جرعة من الانتباه بعد كل موقف عندما تنزل بنا لحظات من العقلانية نجد بأننا قد اختير لنا ما هو خير لنا في وطننا وفي زماننا ومكاننا ولمستقبلنا، الذي عرقلناه بلساننا وكلامنا.
افتعلنا طريقنا بأنفسنا ولو جبرنا على أن اتركوا الجدل بينكم لما فعلنا ولبقينا كسائر الناس من حولنا، ننتظر بارقة أمل لتنير لنا فجراً قد أغرق ظلامناً حتى ولو كنا في ديارنا وبين الدمار والدماء بين الأشلاء والظلم والشهداء بين الناس المستضعفين.
ومع كل هؤلاء فلم يبقَ في العين إلا الرماد، فقد أخذ مكان الكحل من الاسوداد سترفع كلمتنا وستنطق ألسنتنا كلمات معبرة خالصة نقية من القلب والروح العربية، وللأمة الإسلامية كلمات من حرية، لا تيأس واعمل ولا تقل بل أفعل وإن شاء الله لرفعنا وجعلنا من عباده العلماء، ليست مسألة مكان أو زمان ننتظر فيه بفارغ الصبر، مجداً لنا لن تلد تلك الأيام لنا مجدنا ونحن قاعدون نتأمل الصبح حتى يطلع علينا (والصبح إذا تنفس).
الإنسان بحاجة إلى أكسجين، بحاجة إلى الهواء، بحاجة إلى الحنان، بحاجة إلى الأمان والاستقرار والطمأنينة والحب، نحن بحاجة إلى كل تلك المشاعر مع الصدق في تأديتها؛ لأن الحنان عبادة، والطمأنينة عبادة، والحب عبادة إن كانت النية طاهرة مع دعاء يخرج من القلب إلى السماء، فإن السعي خلف الرزق والعلم ليس بالضرورة أن يكون في مكان لم يظلم، لم يذق طعم الاحتلال من قبل، لم ينكسر، لم يهجر أبناءه، وتقطع أغصانه ويرمى قتيلاً على الأرض، بل إن لحلاوة الرزق بعد التعب سعادة، ولطعم الإنتاج بعد العمل حلاوة، ولنتيجة العلم بعد الدراسة إنتاج عظيم يباركه لنا الرزاق، وتشهد لنا أعمالنا بأن النجاح يبدأ ببذرة، وينتهي بثمرة حلو مذاقها بعد حسن رعايتها.
عندما تبحث عن أمل في الحياة، فإنها ستقدر حلمك وستتبع قلبك وتصطحب إحساسك لملاذ كبير في أفق واسع نحو الأمان والسلام وللراحة النفسية المسماة بالحرية، لكن وجدت في الحياة أن المستقبل أقوى من الذكريات، وأن الألم سيمنحك صحة، والضعف سيمنحك القوة، والقليل سيعطيك المستحيل، ثورتنا تمر ونحن نكبر، ثورتنا تصغر وقد بدأت عقولنا بالنضج والسير نحو النهج الصحيح؛ لنبدأ كالرعية ونموت كالملوك في أرض حرة بسعينا وعملنا، بسعادتنا، وأهم شيء بابتسامتنا، فأينما نُخلق نعيش ونُرزق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.