النساء ناقصات عقل ودين، ومن الضرورة أن يطعن أزواجهن، في السراء والضراء، وفي الحابل والنابل، وأن يخدمن ويركعن تحت أقدامهم، وهنّ عورة ويجلبن العار لسمعة العائلة وشرفها؛ لذلك يتوجب ضربهن بالسياط من أجل تأديبهن وردعهن عن الإقبال على المنكرات والفواحش، كما من الواجب رسم طريق حياتهن من "طأطأ" إلى "السلام عليكم"، ألم يقل الله في كتابه الكريم: "الرجالُ قوَّامون على النساءِ"؟!
تخيل معي أيُّها القارئ العزيز، أن الكلام الآنف الذكر يصدر عن شبابٍ يافعين، في مقتبل عمرهم، ليس في عصورٍ غابرة؛ حيث العادات والتقاليد المنحطة، ولكنه صادرٌ في القرن الواحد والعشرين، فلم يكفِ أولئك الشباب كلّ التقدم والانفتاح والتطور الذي توصل إليه العلماء والمبدعون في العالم "الآخر".
لا أُريد الدخول في تفسير الآية التي يتشبث بها الجاهلون، وفي أمر القوامة على وجه التحديد، وكيف تم تحريفها على أهوائهم؛ لتساير نفوسهم الضعيفة، فالمغزى الذي تدعو إليه الآية الكريمة واضح كوضوح انحراف تلك الفئة الضالة، وهي بلا شك لا تدعو إلى ما يدعون إليه بأي شكلٍّ من الأشكال.
ولكن من الأولى أن نشخّصَ الأسباب التي دفعت الذين من المفترض أن يكونوا "لبنة المجتمع"، وأمل تقدمه وتطوره، إلى هذا الانحطاط الرهيب، وأهمية التشخيص المنشود نابعة من أن "العاهة" تبدو متوارثة من جيلٍ إلى آخر، وهي تتجلى في أوضح صورها على أنها سلوكٌ اجتماعي، يُؤمن فيه طبقة واسعة في مجتمعاتنا العربية.
أرى أن جذور التفكير لا تبتعد عن المثالب التي توارثناها من العصور الغابرة، التي كان شائعاً فيها قيم الثأر وغسل العار واضطهاد المرأة والنظر إليها على أنها سلعةٌ رخيصة يتم الاستمتاع بها، إضافة إلى التعصب القبلي، الذي لا يعرفُ معنى الحرية والمساواة والانفتاح، واحترام "الآخر" المختلف، فيفترضون أن الجميع يحبون ما يحبون، ويكرهون ما يكرهون، هم يعتقدون أن البشر متشابهون، وهذا منافٍ لكلام الله، ففي سورة الحجرات يقول سبحانه وتعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
إن تلك النظرة السوداوية التي ترى أن الاختلاف ينتقص من الذات ويحقّرها، انتقلت إلى العلاقة الكائنة بين الرجل والمرأة، ومن البديهي القول إن هذين الكائنين مختلفان في الكثير من التفاصيل، حتى الصغيرة منها، إلا أن الرجال في مجتمعاتنا ارتأوا أن يفرضوا أنفسهم على النساء، مستغلين أنوثتهن وطيبتهن، ودافع هذا السلوك يعود إلى التراث المتخم بعملية استغلال النساء واضطهادهن وسبيهن وحرمانهن من أبسطِ حقوقهن، التي لن يقبلَ أي رجلٍ التنازل عليها لو انطبقت السماء على الأرض، فلماذا هذه الأنانية والازدواجية؟ إن الله خلق الرجل والمرأة مختلفين، وفي ذلك حكمةٌ ربانية، ليكمل بعضهما بعضاً.
ولكن لا مناص من الوقوع في الخطأ -كون بني آدم في طبيعتهم خطائين- ومواجهة الصراعات والخلافات التي تنشب بينهما، وهذا يحدث عندما ينسى أو يتناسى الطرفان الاختلافات التي غرزها الله فيهما.
بطبيعة الحال، فإن تلك الاختلافات التي تحد بين المرأة والرجل تتسم بالكثرة -ولمن يُريد أن يستزيد فأنصحه بقراءة كتاب (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة)، لمؤلفه الدكتور جون غراي- وعملية التعايش معها مهمة ليست هيّنة، فهي تتطلب تنشئةً سليمة، وثقافة ووعياً بأهمية كلا الطرفين في عملية الإنجاز والإبداع الحضاري والإنساني، ولكن لأن الرجال في مجتمعاتنا العربية يستندون إلى القيم والمبادئ التي توارثوها، ويستمدون القوة من الأفضلية المجتمعية التي يتمتعون بها على حساب نظرائهم في الطرف المقابل، يتم فرض الذات من قِبل الرجال على النساء اللواتي لا يجدن من يدافع عن حقوقهن حتى من أقرب الأشخاص، الأمر الذي يؤدي إلى تقديم تنازلاتٍ عن حقوقهن التي شرّعها الله لهن.
وهنا من باب العدل والإنصاف نطرح على طاولة الحوار بعض الأسئلة التي أرجو أن يضعها كلُّ رجلٍ صاحب مبدأ وقيم في عقله الذي منحه الله إياه: هل ترضى يا عزيزي أن تُحرم من بعض الحقوق التي اعتدت على أن تتمتع بها؟ هل تقبل يا صديقي أن يتم التحكّم بأسلوب حياتك والقرارات التي تتخذها؟ هل تستسيغ يا أخي أن يتم فرض عليك زوجتك التي ستشاركك كل تفاصيل حياتك؟ هل تبلغ يا زميلي في الرجولة أن يقفَ أحد كائناً مَن كان أمام طموحاتك وأهدافك؟ هل ترضى يا رفيقي أن تتنازل عن شهواتك ورغباتك وكلّ ما غرزه الله فيك؟ هل تتقبل أن تتعرض للظلم والاضطهاد والإذلال والإهانة؟ هل ترضخ للعادات والتقاليد وإلى ما هو "عيب" ولا يجوز؟.. لا أُريد إجابة منك، ولكن الذي أتمناه أن تُحكّم ضميرك، ولا تخدع نفسك، فالمغفلون وحدهم من يخدعون أنفسهم، فلا تكن مغفلاً يا عزيزي.
أستطيع أن أؤكد حقيقةً لا بد أن يعترف بها كلّ رجلٍ واعٍ، فلا مفرّ من وجود المرأة في المجتمع، لا أقصد هنا تلك الصورة النمطية التي يرى فيها المجتمع النساء على أنهن يقتصر وجودهن في المطبخ بجانب "البهارات"، وفي تربية الأطفال، وخدمة الرجل؛ بل ذلك الوجود الذي يمنحهن حقوقهن ويقدرهن أكبر تقدير، ويجعلهن شريكاً للرجل، لا على الهامش كما هو حاصل الآن في غالبية بلداننا العربية، وإنما في صميم البناء والإعمار وتحسين الحياة الإنسانية والارتقاء بها نحو الأفضل.
المأساة التي تعاني منها النساء في مجتمعاتنا العربية تعتبر من "العاهات" التي تقف حائلاً أمام تقدمنا، فمتى ما منحنا النساء حقوقهن، ومتى ما نعترفُ بأهميتهن ودورهن الأساسي في التطور والتقدم الحضاري والإنساني، عندها يصبح من الممكن أن نقول: أهلاً بوطنٍ عربي مشرق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.