كان ماسايوشي سون -الملياردير الياباني والمستثمر في مجال التكنولوجيا- يعاني من مشكلة في الموارد والتمويل، تمنعه من تحقيق طموحاته، وهو الأمر الذي تعرض له عدة مرات خلال حياته المهنية.
فشركته "سوفت بانك" كانت قد قامت مؤخراً بزيادة ميزانيتها بإنفاق 32 مليار دولار في صفقة الاستحواذ على شركة تكنولوجيا الرقاقات البريطانية "إيه آر إم". ولكن ماسايوشي، الذي يثق في قدرته على توقع المستقبل، كان يريد أكثر من ذلك.
وبالتالي، أين كان لماسايوشي أن يجد التمويل اللازم الذي يحتاجه لتحقيق رؤيته في عالم يتكامل فيه البشر والآلات والإنترنت بشكل أوثق؟
جاءت الإجابة في وفد الحكومة السعودية المكوَّن من 500 فرد والذي سافر إلى طوكيو الشهر الماضي على متن 13 طائرة، وفي مقدمته الأمير ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمعروف باسم MBS المأخوذ من الأحرف الأولى لاسمه.
ولحسن حظ ماسايوشي، كان الأمير صاحب الـ 31 عاماً في عجلة من أمره لتنفيذ برنامجه "رؤية 2030" والذي يستهدف تحديث دولة السعودية بشكل جذري.
وبعد هذه الزيارة بـ 6 أسابيع، تقابل ماسايوشي ومحمد بن سلمان في الرياض لإطلاق خطة إنشاء صندوق الاستثمار الخاص الأكبر من نوعه، في شراكة تبلغ قيمتها 100 مليار دولار، تسمح لماسايوشي بالاستثمار في مستقبل التكنولوجيا، وللسعودية بجني الفوائد.
يتضمن الاتفاق المكتوب شرطاً غير ملزم، وهو إنشاء شركة تابعة لشركة سوفت بانك بلندن. وتعهدت السعودية في الاتفاق بالمشاركة في الصندوق خلال الخمسة سنوات القادمة بحوالي 45 مليار دولار، فيما تشارك شركة سوفت بانك بحوالي 25 مليار دولار. ويتم حالياً جمع 30 مليار دولار آخرين من بعض المستثمرين العالميين الكبار.
"الدهشة والشك"
جاءت ردود الفعل الأولى على أخبار إنشاء صندوق استثمار "رؤية سوفت بانك" مزيجاً من الدهشة والشك. كانت الدهشة جزءً من ردود الأفعال لأن حجم الصندوق يوازي تقريباً ما جمعته صناعة الاستثمار في الولايات المتحدة خلال الـ 30 عاماً الأخيرة، وجاء الشك بسبب الأسئلة الكثيرة حول مدى الالتزام الحقيقي للأطراف المشاركة بتمويل الصندوق في المستقبل، واستكمال هذا المشروع الذي لم يسبق له مثيل.
علق الأشخاص المعنيون بهذا الاتفاق على هذه الشكوك بشيء من التوبيخ، إذ صرح أحدهم أن هذه الشراكة ليست بين شخصين يبعثران أموالهما، وأضاف آخر قائلاً "هذه شراكةٌ بين عقول. فالسعوديون يريدون إحضار التكنولوجيا لبلدهم، وماسايوشي يريد أن تكون شركته الشركة التكنولوجية الأكبر على مستوى العالم".
جاءت هذه الشراكة غير المتوقعة خلال زيارة الوفد السعودي لليابان في بداية شهر سبتمبر /أيلول المنصرم. إذ إن ماسايوشي كان يبحث لشهور عن أفكار مبتكرة للتمويل، نظراً لحجم طموحاته وإحباطه من سلوك المستثمرين بالسوق المحلي، الذين يظن ماسايوشي أنهم يستغرقون وقتاً طويلاً ليفهموا أفكاره الكبيرة المجنونة.
فعندما قررت شركته سوفت بانك شراء شركة إيه آر أم، استغرقت العملية وقتاً طويلاً بسبب الحاجة إلى تصفية جزء من حصة سوفت بانك لتمويل الصفقة، مما أدى لزيادة صافي دين الشركة إلى قيمة ضخمة، تبلغ 105 مليارات دولار.
حلاً لهذه المشكلة، طلب ماسايوشي من راجيف ميزرا -المدير التنفيذي بشركة سوفت بانك، والذي ساعد الشركة عام 2006 على إتمام صفقة الاستحواذ على شركة فودافون باليابان- استكشاف مصادر بديلة لرأس المال. طلب حينها ميزرا -مدير الصندوق الاستثماري الجديد- من اثنين من زملائه في الماضي أثناء عمله ببنك دويتشه، وهما نزار البسام ودالينك أريبورنو، بالبحث عن شركاء محتملين.
تواصل نزار وأريبورنو مع العديد من الشركاء، كان منهم مسئولون كبار بالحكومة السعودية. وفي خلال وقت قصير، تم ترتيب عدة اجتماعات مع شركة سوفت بانك خلال زيارة الوفد السعودي لليابان.
عرض الفكرة على المسؤولين السعوديين
وقبل لقائه بالأمير محمد بن سلمان، التقى ماسايوشي ببعض المستشارين المقربين من الديوان الملكي وقام بعرض فكرته عليهم، وهم ياسر الرميان، مدير صندوق الاستثمارات العامة بالسعودية، وخالد الفالح، وزير الطاقة ورئيس مجلس إدارة شركة البترول السعودية أرامكو، وماجد عبد الله القصبي، وزير التجارة والاستثمار السعودي. ناقش كلٌ منهم ماسايوشي بشأن الاستراتيجية التي يريد اتباعها، وكيف يمكن لها أن تنسجم مع محاولاتهم لإصلاح الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماده على البترول.
لم يكتفِ ماسايوشي عملاق التكنولوجيا بالتوضيح لهم كيف أن شركته "سوفت بانك" يمكنها المساعدة في تحديث الدولة، ولكنه قام أيضاً بعرض تاريخ شركته الاستثماري وقدرته على اختيار شركات ناجحة للاستثمار فيها، كشركة التجارة الإلكترونية الكبرى بالصين علي بابا، وشركة ألعاب الهاتف المحمول سوبرسيل، وشركة ياهو باليابان.
وبعد زيارة ودية لإمبراطور اليابان، واجتماعات مع رئيس مجلس إدارة شركة هيتاشي ومدراء البنوك اليابانية، كان الوقت قد حان لمحمد بن سلمان -المعجب بالثقافة اليابانية- ليلتقى بماسايوشي ويسمع عرضه. وتم الاجتماع بين الأمير ومستشاريه وماسايوشي في قصر أكاساكا بوسط طوكيو، والذي يُعَد أحد المعالم القومية باليابان، ويتم استخدامه الآن لاستضافة ضيوف الدولة.
نجح الاجتماع بشكل باهر، وهو ما ظهر في صورة تم التقاطها للأمير محمد بن سلمان وهو يبتسم. وقال أحد الحاضرين "أصبحت الخطط لإنشاء الصندوق حية بعد لقاء ماسايوشي والأمير محمد بن سلمان، لقد أثر فيه ماسايوشي بشدة".
ورحل الأمير محمد بن سلمان عن اليابان، وطلب قبل رحيله من ماسايوشي أن يزور السعودية في شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأن يقضي بها بعض الوقت كي يفهم السعودية بشكل أفضل. وتم إيفاد المسؤولين السعوديين والمستشارين لإجراء المعاينات اللازمة لشركة سوفت بانك والشركات المملوكة لها بشكل سري، ومن ضمن ذلك معاينة فريق قسم الروبوتات بالشركة، ومشروع الروبوت Pepper.
الشاب الطموح
وعلق أحد المسئولين اليابانيين قائلاً إنَّ ماسايوشي قد وجد في الأمير محمد بن سلمان روحاً تشبهه، فهو يمثل صورة لطموح الشباب في مملكة اعتادت على إيقاع بطيء للحكم، وأنَّه أيضاً مثله يعتقد في أهمية سرعة اتخاذ القرارات.
وأضاف المسؤول أن علاقات ماسايوشي في مجتمع رواد الأعمال التكنولوجية ستتوافق بشكل جيد مع حجم الاستثمار الذي ترغب السعودية في طرحه في السنوات القادمة، وذلك مع المصاعب الاقتصادية التي تمر بها بسبب انخفاض أسعار البترول.
وعن الصفقة بين ماسايوشي ومحمد بن سلمان، قال يوشيكي هاتاناكا -الخبير بشؤون الشرق الأوسط، والمستشار بوكالة اليابان للتعاون الدولي- إنَّه "حتى تجذب السعودية الاستثمارات في المستقبل، احتاجت إلى صفقة رائدة وجذابة مع مستثمر معروف عالمياً وسريع في قراراته، وهناك العديد من المستثمرين من نفس النوعية في اليابان غير شركة سوفت بانك".
وفيما يتعلق بطلب الأمير محمد بن سلمان، وصل ماسايوشي الأسبوع الماضي إلى السعودية في زيارة لعدة أيام. طاف خلالها بحقول البترول بالجزء الشرقي من السعودية، وزار شركة أرامكو، وعاين الأمور الهندسية بالشركة وإمكانياتها فيما يتعلق بالروبوتات. وطبقاً لتصريح أحد المصادر، انبهر ماسايوشي أثناء زيارته بأحد الروبوتات بالشركة، والذي يقوم بتنظيف الخلايا الشمسية، وأضاف المصدر أن العديد من الشراكات الأخرى بين السعودية وشركة سوفت بانك قيد الإعداد حالياً.
قضى أيضاً ماسايوشي بعض الوقت برفقة المسؤولين عن صندوق الاستثمارات العامة بالسعودية أثناء زيارته. ومع أن مصدر التمويل السعودي للشراكة لم يتم الإعلان عنه، إلا أن المساهمة في الغالب ستكون من أموال صندوق الاستثمارات العامة، ومن شركة أرامكو، وهي المساهمة التي من المتوقع أن تكون الأكبر حين تحدث عام 2018 وتجمع عشرات المليارات من الدولارات.
وما هو أكثر إثارةً للجدل، أن السعودية من المتوقع أن تقوم بجمع التمويل اللازم للمشروع من خلال ثروتها السائلة، وعوائد أوراقها المالية، وحصصها من التداول بالعملة، والتي تتحكم بها مؤسسة النقد العربي السعودي.
فصندوق الاستثمارات العامة السعودي يستولي حالياً على جزءٍ كبير من احتياطي المؤسسة، كما أفاد أحد المسؤولين بالبنوك والمقربين من الحكومة السعودية، وهو الأمر الذي سيوفر للصندوق فرصة أكبر في تمويل صفقات مشابهة لصفقة صندوق الاستثمار التكنولوجي مع شركة سوفت بانك.
وفي نهاية زيارة ماسايوشي للسعودية، قام الرجلان اللذان يسعيان إلى إعادة تشكيل عالم كلٍ منهما بإتمام الصفقة، وحققا انسجام عظيم بينهما. وذلك مع بقاء تفاصيل العلاقة التجارية بينهما والاتجاهات التي ستتخذها استثماراتهم في المستقبل لغزاً لم يُكشَف عنه.
وعن رؤية ماسايوشي للصفقة، يقول أحد المقربين منه: "يرى ماسايوشي أنه هناك ما يكفي من الأشياء في العالم ليشتريها. ولكن الأمر لن يكون مجرد استحواذ كلاسيكي أو استثمار بمشروعات تجارية، وإنما سيكون علامته التجارية الفريدة لاستكشاف الفرص".
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Financial Times. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.