نحن لا نستحي

أقوم وأجلب ذلك الكومبيوتر المركون، أفتحه لأكتب بعضاً من هذا الكلام الذي لا أعلم هل هناك من يشعر أو لا يشعر به، ولكنني أكتب لنفسي لأذكرها أن هذا العالم وبلدي يحتضران من كثرة الجراح التي تلقياها، وأذكر أن لي أخاً في هذا العالم يحتاج لي، وأذكر نفسي أننا لا نستحي حينما ننطق بالإنسانية، وهذا الشيء المهول في ما بيننا، أنحن بني الإنسان؟!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/23 الساعة 04:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/23 الساعة 04:50 بتوقيت غرينتش

حينما أفتح هاتفي الذكي أو ذلك الكومبيوتر المركون في زاوية غرفتي يعيش بيتم بعدما كان شيئاً مهماً في حياتي، لكن سرعة الحياة جعلتنا نسرع معها لنترك أشياء كثيرة ونستغني عنها في حياتنا؛ لأن هذا الهاتف الصغير سريع الاستخدام أصبح كل شيء في حياتنا من عملنا إلى حياتنا وتواصلنا مع الآخرين.. إلخ.

انعكاس الأشياء في عيني وأنا أقلبها وأرى أنواع هذه التطبيقات، أتصفح بريدي الوارد وأرحل من هنا وهناك إلى أن أقضي وقتاً في مواقع التواصل الاجتماعي التي ليست بقليلة، أتابع الأصدقاء وبضعاً من الأخبار التي لا تعجبني؛ لأنها لم تعد تنقل ما يفرحنا غير سواد الحزن وغربان الشؤم التي حطت في بلدي الذي لبس السواد مرتين؛ الأولى للتغزل بكثرة خضرته، أما الأخرى فهي لكثرة الأرواح التي رحلت على أرضه لتعلق رايات السواد.

أجلس أشاهد، وأشاهد أقرأ هنا وهناك، أرى بضع الصور التي أستمتع بالقصص التي ترويها وأرحل منها إلى قصص يحكيها مجتمع أعيش معه، فأجد أنواع الحكم التي تجذبني وكلمات الإنسانية والرحمة التي تطلق من هذه الأفواه، أم من تلك الأنامل التي تضرب لوحة الحروف التي لا نعرف المشاعر التي تكتبها أهي كاذبة أم صادقة أم جادة، لا أعلم شيئاً لأنني فقدت لذة الإحساس بالأشياء التي تكتب، لأني لا أرى كاتبها وانعكاس عيونه وملامح الوجوه.

فلسفة تكتب بصورة عميقة جداً والإنسانية مفعلة بصورة واسعة تكتب بكثرة أراها من هنا وهناك أو تلك الكلمات التي تطوي خلفها أشخاصاً ينبضون بالرحمة والمودة التي لا تنتهي، أعلم كثيرة هناك هي الإنسانية فإني ما زلت أراها في واقعي وأرى الرحمة التي تشع كنور ينبعث من القلوب، ما زلت أراها في واقعي لكن ليست بهذه الكثرة التي أراها في مواقع تواصل الناس الاجتماعي بمختلف أسمائها وأشكالها فكلها تصب لشيء واحد أن نرى ونتابع هذا العالم الكبير ليصبح قرية صغيرة.

أغلق هاتفي لأسافر في واقع عالم نعيش فيه، هذا العالم الكبير جداً نرى القليل منه وما خفي أكبر وأكثر، كسواد حالك ومنه تنبعث نقطة بيضاء صغيرة تنير بقعة صغيرة وتخفي في طياتها الكثير، أعود أسافر في واقع بلدي المؤلم فأتذكر تلك الأرواح التي هاجرت قبل العيد لترحل بعضها إلى التراب وبعضها طار وتلاشى لم نجد له أثراً، أتذكر الأطفال الذين كانوا يتبضعون تلك الملابس التي أرادوا ارتداءها صباح العيد الذي بهم يكتمل، تعود سريعاً إلي ذاكرتي كيف نقتل بعضنا بعضاً لأتفه الأسباب، وأتذكر كثرة الخصومات التي حدثت وأرى أمام عيني أولئك الأطفال الذين ينتشرون في الشوارع يطلبون بضع النقود والحال يرثى لها! لأرى بنات في عمر الزهور يبعن الأشياء، لا أعلم هل مكانهن الشارع يستجدون، أم كراسي المدرسة؟!

ليعود هذا العالم الكبير ليصبح مؤلماً، في كل مكان هناك جرح ينزف، يحتاج إلى طبيب يشفي الجراح، لا يجد سوى جرح يكبر ويكبر دون أن يطيب، أجد الكثير من الأطفال تقتل حتى أحلامهم، وأجد نساء يصبحن مشردات، وأعلم ذلك العجوز الذي يبيت محزوناً على الرصيف يحتاج إنساناً يحمل إنسانية، أما نحن فنراه ولا نحرك ساكناً سوى قليل منا يتعطف بعطفه عليهم، أو أن يتصدق ببضعة نقود، هنا يستوقفني صراع كبير يجول في عقلي بين عالم الواقع وعالم يتحرك من خلف ضوء شاشة الهاتف الذكي الذي نحكي به ونكتب ما نشاء دون أن نشعر بالأشياء إلا القليل.

أقوم وأجلب ذلك الكومبيوتر المركون، أفتحه لأكتب بعضاً من هذا الكلام الذي لا أعلم هل هناك من يشعر أو لا يشعر به، ولكنني أكتب لنفسي لأذكرها أن هذا العالم وبلدي يحتضران من كثرة الجراح التي تلقياها، وأذكر أن لي أخاً في هذا العالم يحتاج لي، وأذكر نفسي أننا لا نستحي حينما ننطق بالإنسانية، وهذا الشيء المهول في ما بيننا، أنحن بني الإنسان؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد