لم تكتب الصلاة كفرض لما يزيد على عشر سنوات من بداية الوحي الإلهي، وكذا الزكاة وصوم رمضان والحج، ولكن حب المال وتجاهل حاجات الفقراء كانا من القضايا التي نجدها في أوائل السور؛ لأنها بحق مما يكب الناس في النار.
في سورة المدثر المتفق على أنها رابع السور نزولاً، يذكر الله أولئك النائحين في النار قائلين: (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ)، وفي سورة الفجر عاشر السور نزولاً يخبرنا الله بشكل أكثر مباشرة عن مسؤوليتنا عن المساكين: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) إلى قوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً).
كما كتبت من قبل، فقد اهتمت رسالة الإسلام منذ بدايتها الأولى بالحاجات الاجتماعية من تفاوت الدخل والجوع والفقر والأنانية والمادية، وتعامل الوحي مع تلك القضايا حتى قبل فرض الشعائر التعبدية.
من الواضح أن تلك القضايا تزايد التعامل معها في السور التالية، إلا أنه من الدروس المستفادة لنا كإسلاميين أن نلاحظ أن الاهتمام بمعاناة الطبقات البسيطة كانت أحد العناصر الرئيسية للدعوة منذ أيامها الأولى في مكة.
لم يكن وقتها القرآن يخاطب القضايا الروحية من شرك وكفر، بل كان يقدم نقداً اجتماعياً واستنكاراً للشح وإساءة استغلال السلطة، كان يفرض على المؤمنين تطبيق معايير عملية لمعالجة الظلم الاجتماعي.
إن "إطعام الفقراء" سياسة، وليس مبدأَ مجرداً، وأكررها، إن تلك الآيات تنزلت في مجتمع الكفار، والفقراء والأيتام المشار إليهم هنا لم يكونوا من فقراء المسلمين ولا أيتام المسلمين… لأن ذلك ليس ما يهم.
الفقر هو الفقر، والجوع هو الجوع، والظلم هو الظلم، فمقصود الدعوة في بداياتها هو وجود تأثير إيجابي عملي على المجتمع، وهو العنصر الأساسي الذي يبرهن على صدقها، وبالطبع استمر ذلك ليكون سمة رئيسية من سمات الدعوة بعد ذلك للأبد.
تذكروا أنه حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، لم يكن معظم الشعب بعد قد وافق على الإسلام؛ حيث تضمنت أولى كلماته للشعب الأمر بنشر "السلام" بينهم وإطعام الفقراء مما يأكلون… ومرة أخرى، إنها أوامر اجتماعية بحتة، تمثل مدخلاً لنوع الإدارة السياسية التي أقامها النبي في المدينة المنورة، إدارة معنية بالصالح العام والنزاهة وحقوق الفقراء.
وكانت هذه بداية "أسلمة" يثرب… الاهتمام الفوري والعملي لإرضاء المواطنين، ليس فقط معنوياً ولا نفسياً، بل تحسين ظروف المجتمع عملياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.