إذا فسد أهل الشام!

بالعودة للشام وفساد أهلها الذي هو بالأساس ناجم عن فساد العقيدة وما تسرب إليها وخالطها من شوائب وبدع، بات كثير من الناس يعتبرونها أموراً في صلب العقيدة لا يصح الإيمان إلا بها، وهو ما أسهم في ابتعاد الناس عن دينهم الحق واتباعهم لمشايخ الضلال، وأصحاب طرق صوفية وأخرى محدثة ما أنزل الله بها من سلطان

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/26 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/26 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وما تلاها من ثورات مضادة، مدعومة دولياً، والمنطقة تعيش حالة غير مسبوقة من الفوضى، ولئِن كانت كوندوليزا رايس قد بشّرت بما عرف حينها بمصطلح "الفوضى الخلاقة" ودعت إليها، فإن ما تعيشه المنطقة وخاصة دول مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، هو بحق فوضى غير خلاقة، بل فوضى مدمرة تقود الناس إلى المجهول يوماً بعد يوم.

لا شك أن التكالب الدولي والإقليمي على أمتنا قد أسهم في غياب أي أفق لحلول جذرية لأزمات المنطقة، وخاصة سوريا والعراق، الأمر الذي دفع باتجاه حالة من الإحباط لدى الشعوب، فولد حالة يأس من إمكانية الوصول إلى بر الأمان، فباتت شريحة كبيرة من المجتمعات العربية المسلمة، تنظر لما يحدث على أنه عقوبة ربانية وإرهاصات ما قبل النهاية، ومقدمات الدخول في علامات الساعة الكبرى، ولعلهم محقون في تصورهم هذا، خاصة في الشام والعراق، فكل ما يحدث يشي بذلك، وبات يدفع لاستحضار الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على ذلك، ولعل أهمها الأحاديث الخاصة بالشام، والتي يدل بعضها على فضل الشام وبركتها كأرض، تضم البقية الباقية من أهل الصلاح والجهاد، رغم فساد معظم أهلها الذي يعني فساد الأمة، بحسب ما ورد في الحديث الصحيح.

فقد روى الإمامان أحمد والترمذي، عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، والحديث صحّحه الألباني والأرناؤوط.

فساد أهل الشام من عدمه هو مثار جدل لا ينتهي، فمن مدافع قائل إن الشام بخير، وإن أكبر دليل على ذلك هو جهاد أهلها ضد نظام الأسد وإيران وروسيا والتحالف الدولي، وصمودهم في وجه ما يحاك للأمة من مؤامرات تستهدف وجودها وعقيدتها، إلى قائل بأن الأدلة على الفساد أكبر وأكثر من أن تعد أو تحصى، ويستشهدون بفساد العقيدة التي تعتبر ركناً هاماً وقاعدة رئيسية للإيمان، التي إذا ما تطرق الفساد لها، دخل إيمان الإنسان مرحلة الخطر والإيذان بزواله، ويستحضرون قول الله عزل وجل: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الآية 41 سورة الروم).

فهل أهل الشام اليوم هم خيرة الله من خلقه؟ وهل جميعهم على قلب رجل واحد؟

الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال: فسد الشيء، أي: بطلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه.

التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً دون وجه حق، أما معجم "أوكسفورد" الإنكليزي فيعرف الفساد على أنه: "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"، والفساد قد يعني التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة نواحي الحياة السلبية.

أما الفساد بمفهومه العام فهو التغير من الحالة المثالية (الكمال لله وحده)، إلى ما دون ذلك أو بمعنى أصح التغير للأسوأ.

أما الفساد بحسب تعريف منظمة الشفافية الدولية فهو "سوء استغلال السلطة الممنوحة لتحقيق مكاسب شخصية".

مما لا شك فيه أن فساد السلوك والأخلاق هو نتيجة طبيعية لفساد النية والقصد، وفساد العقيدة، التي إن فسدت فسد كل شيء، فما الذي يرجى ممن فسدت نيته؟ وكيف سيكون سلوكه وأخلاقه في المعاملات، والعلاقات العامة أو في الشهوات والرغبات الخاصة؟

يقول الله عز وجل: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"،
هو أمرُ من الله -عز وجل- بالاعتدال حتى في المباحات، وقد شبّه المسرفين بإخوان الشياطين، فغاية الخلق هي عبادة الله -عز وجل- وهو الغني عن العالمين، أما الطعام والشراب وسائر الشهوات فما هي إلا أسباب استدامة البشر على الأرض، فقد خلق الله -تعالى- الإنسان وأودع فيه شهوات وجعل له رغبات، فلا تقوم حياته ولا تستمر إلا بها، كالطعام والشراب والنكاح وما إلى ذلك، وحاجة الإنسان إليها تكون بالقدر الذي يحقق له استمرار الحياة الكريمة، وبالوسائل المشروعة التي يصل بها الإنسان لتحقيق هذه الشهوات والرغبات، وبحيث يعتبر تجاوز هذه الوسائل شكلاً من أشكال الفساد.

من هنا سنجد أن طمع الإنسان وفساده هو السبب الذي يقف خلف كل ما تعيشه البشرية من حروب ظالمة، وسفك للدماء واستحلال للحرمات، وقهر للشعوب، والهيمنة على مقدرات الدول، وحتى استبداد الأنظمة التي ما عاد يكفيها نهب مئات المليارات من قوت الشعوب وتكديسها في دول الغرب الذي يستولي على هذه الأموال، بفرض عقوبات أو عند موت أو سقوط أي من هؤلاء، ولنا في القذافي وزين العابدين أمثلة.

بالعودة للشام وفساد أهلها الذي هو بالأساس ناجم عن فساد العقيدة وما تسرب إليها وخالطها من شوائب وبدع، بات كثير من الناس يعتبرونها أموراً في صلب العقيدة لا يصح الإيمان إلا بها، وهو ما أسهم في ابتعاد الناس عن دينهم الحق واتباعهم لمشايخ الضلال، وأصحاب طرق صوفية وأخرى محدثة ما أنزل الله بها من سلطان، وهو ما سمح بتسلط غير المسلمين على رقاب أهل الشام فساموهم سوء العذاب، وكله باسم الوطنية والقومية والحرية والاشتراكية والصمود والممانعة.

عندما نتحدث عن الفساد، فإن المقصود هنا هو فساد العقيدة والدين، ونظرة سريعة لحال أهل الشام تجعلك على يقين أنهم فسدوا!
فحكم النصيرية للشام قرابة نصف قرن، تلاه احتلال صفوي روسي وغربي.. فساد.
الكفر بالله وسب الذات الإلهية والعياذ بالله علناً ولأتفه الأسباب قد يخرج من الملة ما لم يتُب قائله.. فساد.
ترك الصلاة والقول إن الدين والإيمان في القلب، قد يخرج من الملة.. فساد.
ترك الصوم والزكاة والحج مع القدرة ودون عذر شرعي حرام.. فساد.
عدم تحكيم شرع الله في كافة نواحي الحياة يعتبر انسلاخاً عن الدين.. فساد.
فساد القضاء وعموم أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية بلا استثناء.. فساد.
انتشار الزنا والدعارة وترخيصه وممارسته جهاراً نهاراً في بلاد المسلمين من الكبائر.. فساد.
انتشار الربا وشيوعه بين الناس وتسميته معاملات تجارية من الكبائر.. فساد.
انتشار الخمر "أم الخبائث" وصنعه وبيعه حتى للطفل الصغير من الكبائر.. فساد.
استباحة الدم الحرام وسفكه على يد النظام فيعتقل ويعذب ويقتل ويدمر.. فساد.
صراع فصائل المعارضة على المال والسلطة والنفوذ وهم إخوة العقيدة والدم.. فساد.
تجرؤ ما يسمى شرعيين وقادة فصائل على الإفتاء بسفك دماء معارضيهم من التيارات الأخرى.. فساد.
كثرة العملاء والمخبرين والبلاغات والتقارير الكيدية التي دمرت حياة الكثيرين.. فساد.
التعدي على الحرمات وانتهاكها دون وازع من دين أو ضمير.. فساد.
شيوع السرقة بكافة أنواعها الفردي منها والعام واعتبارها شطارة من الكبائر.. فساد.
الرشوة والغش والمحسوبية والواسطة وسوء استغلال المنصب والوظيفة حرام.. فساد.
التحرش بالنساء على قارعة الطرق ظلم وعدوان وقلة نخوة وانعدام حياء.. فساد.
أكل مال اليتيم وحرمان الإناث من الميراث ظلماً وعدواناً.. فساد.

أليس كل ما ورد آنفاً موجود وعلى نطاق واسع، وقع الناس في كله أو بعضه إلا من رحم ربي؟ ثم إذا كان هذا هو حال أهل الشام، فما هو حال باقي الأمة؟

أما القضاء وما أدراك ما القضاء، إذا فسد القضاء ضاعت الحقوق، وانتفى العدل، وانتشر الظلم والجور بين الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: لتنقضن عرى الإسلام عروةً عروةً، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة. (رواه أحمد وغيره وصححه الحاكم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب). والمقصود هنا بلفظ "الحكم" هو القضاء الذي يكون أول عُرى الإسلام فساداً.

من طريف ما يروى عن فساد القضاء، أن رجلاً دفن كلباً في مقابر المسلمين، فاحتج الناس وشكوه للقاضي، فلما حضر أمام القاضي سأله: هل دفنت كلباً في مقابر المسلمين؟ قال الرجل: نعم لبيت وصية الكلب وفعلت. فقال القاضي: ويحك أتدفن نجساً في مقابر المسلمين ثم تستهزئ بالقاضي؟ فأجاب الرجل: لقد أوصى الكلب بألف دينار للقاضي. فقال القاضي: رحم الله الكلب الفقيد. وهنا تعجب الناس من صنيع القاضي الذي رد عليهم بالقول: لا تتعجبوا فلقد نظرت في أمر الكلب فوجدته من نسل أصحاب الكهف، ومن هنا بدأ الفساد!

فهل بعد هذا من شك في فساد أهل الشام، وأن الله سبحانه وتعالى يختار الخيرة لعبادة، فيريد أن يطهرهم ويعيدهم سيرتهم الأولى، صالحين مصلحين فيصلح بهم أمة فسد حالها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد