بعد إنجاب ابنتي الأولى.. الآن أقدم اعتذاري

كنت أفكر دوماً وأنا صغيرة في الأبوة والتربية بالعديد من المناسبات، وأتساءل لمَ يفعل الناس هذا؟ إذ يبدو أنَّ الأمر ينطوي على كميةٍ كبيرة من العمل الشاق. والآن أعلم السبب

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/28 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/28 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش

كانت هناك رقاقة بطاطس "برينغل" ملقاة وحيدة في وسط أرضية المنزل.

ولكن لماذا قد تكون هناك رقاقة البطاطس "ملقاة وحيدة في هذا المكان؟

فلنتقدم في الزمن إذاً لبضع سنوات، بجانب خزانة الكتب هناك قطعة من رغيف خبز، وهناك نصف قطعة بسكويت ملقاة بالردهة، وتغطي حبوب الإفطار أرضية المطبخ مثل قصاصات الورق الملونة، ولستُ بحاجة للبحث كثيراً عن مرتكب تلك الجرائم، فتعقُّب أثر الفتات المتروك خلفها، بينما هي تخطو بعيداً بخطى قصيرة، يجعل تحديد هوية مرتكب الجريمة أمراً سهلاً، وبينما التقط بقايا طعامٍ آخر نتجت عن غزوةٍ أخرى قامت بها، لا أشعر بالانزعاج، بل أشعر بالقبول والامتنان، هذه هي حياتي الآن، حياة رائعة وفوضوية.

وأدركتُ شيئاً، وهو أنَّ تلك المرأة، التي لاحظت باندهاش وجود رقاقة بطاطس "برينغل" مُلقاة بشكلٍ عشوائي في منزل أحد معارفها، كان لديها الكثير لتتعلمه، أفهم الآن كيف يمكن أن يُترك الطعام بهذه السهولة، وشريحة الخبز المحمَّص التي اكتشفتها حديثاً على عتبة النافذة دليلٌ على هذا.

كما فهمت الآن أيضاً كم يمكن أن يكون تغيير الحفاضات للأطفال في مرحاض الطائرة صعباً، أتذكرُ ذات مرة أنَّني رُحتُ أحاول كتم أنفاسي بسبب تلك الرائحة القذرة التي كانت تأتي من مؤخرة طفل يجلس في المقعد الأمامي عندما كنت مسافرةً في عطلةٍ بالطائرة، اضطررت إلى دفن رأسي وقتها بكأس نبيذٍ أبيض كي أتمكن من صرف انتباهي عن تلك الرائحة النتنة، وكنتُ أتوسل في صمت: "أرجوكم، غيروا حفّاضته"، وكنت أتساءل مندهشةً لمَ لمْ يفعلوا ذلك؟

لم أفهم الأمر حتى العام الماضي، حين كنا مسافرين مع ابنتنا كثيرة الحركة والانتباه لأول مرة بالطائرة. استنزفنا حينها كل قوانا في الإقناع كي نبقيها ثابتةً ومشغولةً بأي شيء، ونمنعها من المرور بانهيارٍ ملحمي وقضاء حاجتها، ولو كانت قد فعلت ذلك، واضطررنا لتغيير حفاضتها، لكانت محاولة تغيير الحفاض لطفلةٍ كثيرة الحركة مثلها في مساحة مرحاض الطائرة الضيقة كخزانة المكنسة شيئاً يفوق طاقتنا نحن الاثنين.

الآن فهمت..

كما أفهم الآن أنَّ تهدئة طفلٍ يمر بنوبة غضب ليست أمراً سهلاً دائماً، أذكرُ أنَّني يوماً ما بينما كنت أدفع عربة التسوق، كانت هناك طفلةٌ تصرخ وهي مستلقيةٌ على الأرض، ويتدفق الغضب منها كحمم انفجارٍ بركاني، سألت نفسي مندهشةً حينها: "لمَ كل هذا!"، وأنا منزعجةٌ من الصراخ، وأشعر بالحيرة بسبب تعبيرات وجه والديها المستسلمة والهادئة في نفس الوقت، كنت أظن أنَّ هناك شيئاً خطيراً، لكن هذا لم يكن صحيحاً على الأرجح، أعلم ذلك الآن. فالسبب في نوبة الغضب الهائلة هذه ربما يكون شيئاً تافهاً مثل عدم السماح لها بأكل حذائها مثلاً، مثل طفلتي التي تدخل في حالةٍ من الاشمئزاز التام والكآبة عند تدخلي غير المرغوب فيه وأنا أحاول نزع حذائها الصغير من قبضتها المتشبثة، ومع أنَّه لا يمكنني رؤية وجهي حينها، إلَّا أنَّني متأكدةٌ من أنَّه يبدو عليه تعبيرٌ عن الملل، مثلما كان يبدو على وجهي هذين الوالدين في المتجر تماماً.. الآن أفهم.

وبما أنني فهمتُ الآن، فأنا آسفة.

أعتذر لكل الأمهات والآباء المساكين والمنزعجين الذين يبذلون قصارى جهدهم للتماسك بغض النظر عن المواقف والسلوكيات التي يقابلونها، آسفةٌ لأنني لم أدرك من قبل مدى صعوبة القيام بمهمةٍ ضخمة مثل الأمومة، والتحديات التي يواجهها الأهل كل يوم، والآن، كل ذلك الذهول الذي كنتُ أشعر به وأنا في مقاعد المشاهدين، تحوَّل إلى تنهيدةٍ طويلة بعد أن أدركتُ صعوبة الأمر.. أنا آسفة.

فأنا أفهم الآن.

وقد فهمتُ هذا أيضاً: أنَّ الذي يجعل الأمهات والآباء مستمرين وصابرين على كل تلك التجارب، والمحن، والفوضى، والصراخ، والبكاء، والإهانة، هو الحب، الحب الذي يغمرهم بالكامل، ويستهلك كامل وقتهم وانتباههم، كنت أفكر دوماً وأنا صغيرة في الأبوة والتربية بالعديد من المناسبات، وأتساءل لمَ يفعل الناس هذا؟ إذ يبدو أنَّ الأمر ينطوي على كميةٍ كبيرة من العمل الشاق. والآن أعلم السبب؛ لأنَّه، بالنسبة لي، كوني أُماً هو كل شيء، وهو المغزى من وجودي، وحافزي، وإلهامي، وكل عالمي، وهذا الطعام المُلقى في كل مكان، والحفّاضات المتسخة، ونوبات الغضب، هذه الأشياء هي مجرد جزء من روعة حب هذه الكائنة المدهشة.

أخيراً فهمتُ الآن.

– هذا الموضوع مترجم عن النسخة البريطانية لهافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد