خذلتنا قدوتهم.. فبنينا قدوتنا

قدوة أخرى تفشل، ولكن على مستوى آخر، ولا عجب في فشل وعدم احترام مواطنينا لهذه القوانين المستوردة؛ لأنها لا تمثلهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/11 الساعة 01:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/11 الساعة 01:26 بتوقيت غرينتش

منذ اللحظة التي ندرك فيها المفاهيم والأشخاص، يبدأ عقلنا ونحن في طور الطفولة بامتصاص أفكار المحيطين بنا ومحاكاة سلوكياتهم.

في سن المراهقة تتغير اهتماماتنا وتتغير معها الشخوص التي ألفناها في محيطنا العائلي؛ لتضيف لنا تجربة مغايرة تماماً.

معظمنا يبحث في هذه المرحلة العمرية عن قدوة جديدة له، يستعين بآرائها ويستلهم من تجاربها، ويطلب منها العون والمشورة عند الحاجة، ولكننا ننسى أنه "إذا أفرطنا في الاستماع إلى النصائح، انتهى بنا الحال إلى ارتكاب أخطاء الآخرين".

البعض منا قد لا يختار قدوته من الواقع، بل يلجأ إلى الكتب باحثاً عما فيها من شخصيات، وآخرون يتقمصون آراء الكُتّاب المشاهير فيصبحون قدوتهم، وعندما تضعنا الحياة على المحك، تتخلى عنا هذه الكتب وأصحابها، ويصدمنا الواقع معلناً سقوط قدوة أخرى.

لم يعد وجود القدوة في حياتنا مقتصراً على الأشخاص فقط؛ بل صار يشمل ما ننتجه من فن ومناهج دراسية وقرارات حكومية، وأصبحنا نرى دولاً تسير على خُطى دول أخرى بحجة "القدوة".

أغانينا الحديثة أصبحت مشوهة بالألحان والكلمات التي لا تنتمي لثقافتنا، وبدلاً من تطويرها بما يتناسب مع مجتمعنا وثقافتنا، اختصر القائمون على الإنتاج الفني الطريق، واستوردوا "قدوة فنية" من الخارج.

في إحدى المرات كنت متذمراً من محتوى الكتب التي ندرسها في الجامعة، وسألتُ مدرس مادة الصوتيات عن آلية اختيارهم للجان التي تقوم بانتقاء مناهجنا التي نتعلمها في الأدب الإنكليزي، فأجابني: "أعضاء اللجان يسافرون لقضاء عطلة في بريطانيا، ويبحثون عما يعجبهم من الكتب التي تُدرّس هناك، ويحملونها هدية لكم بعد العودة من السفر".

منذ ذلك الحين عرفت المعنى الحقيقي لكلمة "المعايير" التي نفتقدها في الحياة الأكاديمية، وعرفت أننا بحاجة إلى معجزة؛ لكي ننافس الدول المتقدمة علمياً.

الصدمة الأكبر في مناهجنا هو المحتوى الذي لا ينسجم مع التركيبة الاجتماعية لوطننا العربي، والذي لا يحاكي شبابنا وأفكارنا وتطلعاتنا للمستقبل.

كيف يُعقل أن نأتي بكتب دولة غربية لتصبح مناهج تدرس في مدارسنا، وتسمع المسؤولين عن التعليم يتفاخرون بأن مناهجنا قد استُوحيت من أعرق المدارس الغربية لندرسها، وكلهم فخر بهذه القدوة التي اعتمدوا عليها، أليس الأجدر بهم أن يقوموا بتشكيل لجان من الكفاءات المحلية؛ ليتم إعداد مناهج تتواءم مع مجتمعنا وتحاكيه؟

ينطبق المثال السابق على القرارات الحكومية التي تصدر من المسؤولين في الحكومة، فترى أحدهم قد زار دولة متحضرة وأعجبه أحد قوانينها، فوضعه في جيبه وعاد به إلينا، وأتحفنا بقرار تنفيذه ضارباً بعرض الحائط الاختلاف الهائل بين تركيبة دولته والدولة التي استورد منها هذا القرار، ولم يكلف نفسه لكي يفكر باختلاف الشعوب، ويصدع رأسنا هذا المسؤول عبر وسائل الإعلام قائلاً: "نحن نسعى لأن نكون ضمن مصافّ الدول المتطورة".

قدوة أخرى تفشل، ولكن على مستوى آخر، ولا عجب في فشل وعدم احترام مواطنينا لهذه القوانين المستوردة؛ لأنها لا تمثلهم.

لربما نجح البعض منا في اعتماده على إحدى القدوات في حياته، ولكن ما هي نسبتهم في المجتمع؟ هل وصلوا إلى ما يطمحون إليه باتباعهم لنفس الخطوات؟ ما الفائدة من هذا التقليد؟ وأين المتعة في عيش أفكارنا وخوض تجاربنا الشخصية إذا اعتمدنا على قرارات الآخرين؟

تتعدد أسباب عدم استمرارية القدوات في حياتنا، ولربما كان السبب الرئيسي يكمن في طبيعة القوانين الإنسانية التي تحكمنا، والتي تدفعنا إلى مرحلة جديدة من النضوج الفكري؛ لنجد القدوة الأهم التي طالما رافقتنا، وهي "أنفسنا نحن".. إنها الوحيدة التي لم تتخلَّ عنا، وهي الأكثر قدرة على فهم ما يدور في أعماقنا، وهي الأجدر بنَيل ثقتنا.

يضيع منا شغف الحياة وجوهرها إن عشنا وفقاً لما يراه الآخرون.. فلا تجعلوا قدوتكم تخذلكم.. كُونوا أنتم قدوة أنفسكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد