شهر يناير/كانون الثاني كان شهراً قاسياً على اللاجئين بعد أن قضى 45 منهم جراء غرق القوارب، وتتوالى عناوين الأخبار عن حوادث غرق اللاجئين القادمين من تركيا إلى الجزر اليونانية منذ أشهر، الأمر الذي دفع الصحفية الهولندية يلكي فيير وزوجها الألماني ماتياس للانضمام لفريق من المتطوعين للذهاب لجزيرة ليسبوس اليونانية أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وتعد جزيرة ليسبوس الواقعة شمال شرق بحر إيجة، من المحطات الأولى التي يصلها اللاجئون والمهاجرون من تركيا قاصدين بلدان غرب وشمال أوروبا.
أن تترك كل شيء خلفك!
فيير في معرض حديثها مع "عربي بوست" أشارت إلى سبب قيامها بهذه الرحلة الإغاثية أن "الأجيال الحالية في ألمانيا وهولندا وفي القارة الأوروبية بشكل عام لا تعلم ماذا يعني أن تترك كل شيء خلفك وتغادر بلادك، لذا أردنا أن نشاهد ما يبدو عليه الوضع هناك، سيما أننا نشاهد الكثير من اللاجئين في ألمانيا".
وأضافت "أعتقد أنه من الأجدى صرف المال الذي خصصناه لفترة العطلة في مساعدة الآخرين، على الرغم من أننا لا نستطيع تقديم سوى القليل لهم، ومساعدتهم لدى وصولهم للجزر، لا أن نجلبهم إلى ألمانيا على سبيل المثال".
وكانت الصحفية الهولندية قد تواصلت مع منظمة "Stichting Bootvluchteling" الهولندية بهدف المساهمة في العمل الإغاثي في اليونان، وتوجهت معهم ضمن فريق مكون من 30 متطوعاً من مدينة أمستردام إلى جزيرة ليسبوس، وأغلب الفريق كان من الهولنديين، بالإضافة إلى أميركي وبريطانيتين وألماني.
ولفتت إلى أن المنظمات الإنسانية كانت قد قسمت الشاطئ المقابل لتركيا إلى 4 نطاقات، وكانت مجموعتهم تعمل في النطاق الثاني الذي يمتد لـ5 كيلومترات، مشيرة إلى أنهم كانوا يراقبون عبر المناظير القوارب القادمة، ثم يقودون السيارة إلى المكان المتوقع أن يصله المركب، في الوقت الذي كان عدد من أعضاء فريقهم يعمل على متن قارب تابع للمنظمة الهولندية على مساعدة القوارب القادمة، وذلك بالاقتراب منها في المياه الإقليمية اليونانية وسؤالهم إن كانوا يعانون مشاكل.
وقالت فيير إنها كانت تعمل لمناوبتين صباحية ومسائية تمتد كل منهما 7 ساعات، "وظروف العمل كانت قاسية في ظل الأجواء الباردة، والتعامل مع القوارب القادمة في أجواء عاصفة"، لكن ما كان يهون عليهم الأمر، إدراكهم أن ما يفعلوه هدفه مساعدة اللاجئين" على حد قولها.
سترات نجاة تساعد على الغرق!
فيير كانت إحدى الشهود على تداول سترات النجاة المزيفة وهي كما توضح "لا تحمي اللاجئين، بل تساعد على غرق مرتديها بشكل أسرع إذ تكون معبئة بمادة البلاستيك".
وكانت الشرطة التركية قد ضبطت 2500 سترة في 8 مدن تركية.
ووصفت الصحفية الهولندية لـ"عربي بوست" المهام الملقاة على عاتقهم لدى استقبال اللاجئين، قائلة إنه لم يكن هناك مختصون بالعلاج النفسي، لذا ما كان بوسعهم فعله هو تقديم المساعدات الأولية لهم واحتضانهم ومحاولة طمأنتهم بأنهم على ما يرام والترحيب بهم، والتأكد إذا كان أحدهم بحاجة لرعاية طبية، على الرغم من أنهم لا يستطيعون أن يقنعوهم بأنهم قد وصلوا إلى "الجنة"، على حد تعبيرها.
وأشارت إلى أنه من المواقف الصعبة التي تواجه طواقم المتطوعين هو سماع أخبار غرق القوارب في المياه الإقليمية التركية دون أن يستطيعوا فعل شيء، فسمعت هي نفسها خلال مناوبة ليلية عبر الراديو أن قارباً يغرق هناك، ثم أعلنت الشرطة التركية في اليوم التالي عن انتشال جثث 37 لاجئاً.
أوضاع سيئة للمخيم الرئيسي في الجزيرة ومعاملة حسنة مع السوريين
وقالت الصحفية الهولندية إن المخيم الرئيس في الجزيرة والذي يطلق عليه اسم "موريا"، يتم فيه تسجيل القادمين الجدد، ليتمكنوا من متابعة رحلة اللجوء إلى أثينا، مضيفة أنه يتوجب على طالبي اللجوء أحياناً البقاء فيه لأيام، وفي ظل النقص في عدد المساكن المهيأة لاستقبال طالبي اللجوء، توزع المنظمات الإنسانية كالتي تعمل معها الخيام عليهم ما يقيهم البرد القارس في هذا الوقت من العام.
"أن تشاهد طفلة تكاد الملابس تغطي نصف جسدها تقطن في خيمة مع 4 من أشقائها والمطر يتساقط في الخيمة، هو ليس بالمشهد الذي من الممكن نسيانه" تقول فيير "سعيت مع موظف بالمخيم على نقلها إلى غرفة أكثر دفئاً".
"مشاهد كثيرة لن أنساها" تقول فيير "شاهدت طفلاً صغيراً يحمل حقيبة ثقيلة للغاية، أم تحمل رضيعتها التي لم تتجاوز الشهرين من عمرها لا أعرف كيف عبرا البحر سوية، التلفاز وما نقرأه لا يكفي لتشعر بما يمر به اللاجئون، الواقع مختلف".
وذكرت فيير أن السوريين يحظون بمعاملة أفضل هناك، إذ يحصلون على غرف في الحاويات، فيما لا يحصل باقي المهاجرين من المغرب وأفغانستان والجزائر على مثيلاتها، لأنهم يعتبرون مهاجرين لأسباب اقتصادية، ويتوجب عليهم أحيانا البقاء لأسابيع على الجزيرة لأنه لا يتم تسجيلهم وبالتالي لا يستطيعون السفر إلى العاصمة.
وبينت أن بعض المهاجرين يلجأون لطرق ملتوية كشراء جوازات سفر سورية أو شراء تذاكر بشغل غير شرعي للسفر إلى أثينا، ويدعي بعضهم بأنهم سوريون لكي يتجاوزوا هذه المرحلة، إلا أن الموظفين المسؤولين عن التسجيل في المخيم يجرون مقابلة مع الجميع ليتأكدوا فيما إذا كان الشخص سورياً، عبر سؤالهم عن علامات مميزة كالعملات وأماكن بارزة في سوريا.