تحوُّل استراتيجي وعسكري غامض يحدث بين المغرب وروسيا الحليف الاستراتيجي للجزائر الغريم التقليدي للرباط في شمال إفريقيا.
ومن العلامات الدالة على هذه التغيرات الاستراتيجية الجذرية بمنطقة شمال إفريقيا، رغبة المغرب في الحصول على أنظمة الدفاع الصاروخي الجوية الروسية من طراز "إس-400"، في سبيل تنويع مصادره العسكرية.
وبينما أكدت وسائل إعلام مغربية أن الرباط ترغب في أن تكون جاهزة لمواجهة أي خطر قد يحدق بالبلاد، فإن صحيفة svobodnaya pressa الروسية كشفت عن سر الاستعداد الروسي لتزويد المغرب بأسلحة متطورة تشمل صواريخ مضادة للطائرات وغواصات وطائرات متطورة.
وعقب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، في 11 من أكتوبر/تشرين الأول 2017، إلى المغرب، تم توقيع 11 اتفاقية تتعلق بمجالات عدة، على غرار الزراعة والتعليم والسياحة والطاقة والتعاون العسكري.
ووفقاً لمصادر رسمية، توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن حصول الرباط على صواريخ "سام" وجملة من الطائرات.
وفي حوار مع صحيفة "اليوم 24″، أكد مسؤول عسكري أن المغرب، ونظراً إلى انخراطه في مشاريع عسكرية مع الهند والصين والبرازيل، مهتم بشكل كبير بمعدات الدفاع الصاروخي.
الصفعة الجزائرية وراء الحماسة الروسية
الخبير العسكري عبد الرحمن مكاوي، قال إن بيع وسائل دفاع جوية للمغرب يعتبر مبادرة روسية تهدف إلى تحقيق التوازن في شمال إفريقيا بين المغرب وخصمه الإقليمي الرئيسي، الجزائر.
وقد سبق أن أصيبت موسكو بخيبة أمل إزاء الجزائر، جراء الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الجزائز حليفته التقليدية بالمنطقة، والتي تتمثل في إنتاج وتصدير الغاز إلى أوروبا بعد فرض الغرب جملة من العقوبات ضد روسيا، ما جعل الغاز الجزائري بديلاً للغاز الروسي.
ورغم ذلك، لا تعد هذه المرة الأولى التي يتجه فيها المغرب لعقد شراكة مع روسيا فيما يتعلق باقتناء معدات عسكرية. فقد جرت مفاوضات بين المغرب وروسيا لشراء معدات عسكرية منذ سنة 2013.
ومن ثم، يعتبر الاتفاق الأخير جزءاً من اتفاق ثنائي طويل الأجل حول تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
ما الخلفية الحقيقية لتوريد المغرب للأسلحة الروسية؟
على الرغم من أن نظام "إس-400" الروسي من الأنظمة التي قامت العديد من البلدان العربية باستيرادها، مثل الجزائر، والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن تركيا، فإن السبب الحقيقي وراء التعاون المغربي الجزائري يكمن في برود العلاقات الجزائرية-الروسية حول قضايا الطاقة، وذلك وفقاً لخبير في معهد الشرق سيرغي بالماسوف.
ففي حين دخلت موسكو السوق العالمية للطاقة بعقود غاز قصيرة المدى، أخذت الجزائر تتقرب من دول الاتحاد الأوروبي، التي تحاول تقليص حجم اعتمادها على الطاقة الروسية.
في المقابل، لم يؤثر ذلك على التعاون الجزائري-الروسي في المجال العسكري التقني بشكل مباشر. ففي سبتمبر/أيلول من 2017، ذكرت مصادر جزائرية أنها أصبحت ثاني عميل أجنبي لأنظمة الصواريخ الإستراتيجية "إسكندر إم"، بعد أرمينيا، حيث اشترت أكثر من 300 وحدة، بالإضافة إلى المركبات القتالية التي تم اختبارها بالجزائر في أوائل سنة 2013.
طائرات قاذفة
وتقول وسائل إعلام مغربية إن الأسلحة الروسية تخدم مصلحة الرباط، سواء الغواصات الخاصة أو الطائرات المقاتلة أو غيرها من المعدات العسكرية.
وقد شهدت العلاقات الروسية-المغربية حركية جديدة سنة 2016، إثر زيارة ملك المغرب، محمد السادس، إلى روسيا؛ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة العديد من القضايا الهامة.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، زار ممثلون عن القوات المسلحة المغربية موسكو؛ لبحث إمكانية اقتناء الغواصة الروسية "آمور-1650" والمقاتلات القاذفة سو-34.
يكمن هدف المغرب الرئيسي في اختيار الوقت المناسب للإعلان عن استئناف المحادثات بين الرباط وموسكو بشأن التعاون العسكري، في حاجة الرباط إلى إثارة تغيرات جذرية بالتوازنات الإقليمية والدولية.
إذ يرتبط اهتمام المغرب بالأسلحة الروسية أساساً بالرغبة في إظهار نواياه الحقيقية المرتبطة بتطوير التعاون العسكري مع موسكو من خلال شراء الأسلحة، كما يندرج، بوجه خاص، في إطار سباق التسلح مع الجزائر.
وعلى الرغم من أن معظم الأسلحة التي حصلت عليها الجزائر تعتبر أسلحة غربية، أي من قِبل الولايات المتحدة وفرنسا، فإن في حوزتها أيضاً أسلحة روسية وسوفييتية، ولو بكميات أقل. فعلى سبيل المثال، تملك الجزائر دبابات "تي-72" من روسيا البيضاء والنظام الروسي المضاد للطائرات "تونغوسكا إم-1".
هل هناك فائدة حقيقية لهذه الأسلحة؟
رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية من معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كوزنيستسوف، يقول إنه يشك في وجود أي فائدة حقيقية للمغرب من الأسلحة الروسية.
وأضاف كوزنيستسوف أن "هذا التعاون يمكن أن يؤدي إلى بروز العديد من المخاوف في صفوف الجزائريين إزاء المغرب. بالإضافة إلى ذلك، تتعاون الرباط بشكل كبير مع أوروبا والولايات المتحد؛ ومن ثم قد تتأثر علاقتها بالغرب في ظل تعاونه مع موسكو.
وأردف قائلاً: "في الوقت الراهن، توجد العديد من الحقائق المتضاربة".
لن تتم
و يرى نائب مدير معهد التحليل السياسي والعسكري ألكسندر خرامشيخين، أنه من غير المرجح أن يتم تحقيق التوافق بين الرباط وموسكو حول شراء "إس-400" أو غيرها من الأنظمة.
وأردف خرامشيخين أنه "في الواقع، يوجد العديد من العملاء الحقيقيين والمهتمين بأنظمة الدفاع الصاروخي إس-400.
إذ تجري مناقشة شراء أنظمة صواريخ إس-400، بنشاط، مع كل من تركيا والسعودية.
ويعد التعاون العسكري مع أطراف خارجية بمثابة لعبة إقليمية، حيث يحاول المغرب من خلاله الضغط على الجزائر أو على الأقل إبراز قدراته".
ولكن المغرب يواجه صعوبات كبيرة على المستوى الاقتصادي، مما يشير إلى أنه ليس بحاجة ماسة، في الوقت الراهن، لشراء أسلحة جديدة ذات تكلفة عالية، وفي الوقت ذاته، يعتبر التعاون العسكري التقني بين المغرب وروسيا محدوداً للغاية.
وتطرق أندري فرولوف، الباحث في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ورئيس تحرير مجلة "تصدير الأسلحة"، إلى المشاكل الاقتصادية التي يشهدها المغرب.
ويقول فرولوف إنه "في المقام الأول، تسعى الرباط لشراء أسلحة روسية لأهداف سياسية بالأساس، وقد يكون ذلك على حساب الوضع المادي للمملكة. من ناحية أخرى، قد يكون لهذه الأنظمة تأثير إيجابي على مكانة المملكة في شمال إفريقيا وأمام جارتها الجزائر".
وأضاف فرولوف أن "المغرب يتمتع بميزة معينة، ألا وهي أنه بلد مهتم بالحفاظ على سلامة مجاله الجوي. ومن ثم يعمل على توظيف مختلف أنظمة الدفاع الجوي الأميركية، سام هوك والروسية تونغوسكا، فضلاً عن غيرها من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة ومختلف المعدات المضادة للطائرات، في هذا الصدد".
إضافة لذلك، يقضي ملك المغرب 45 في المائة من وقته خارج المملكة، مما يستوجب بقاءه فترة طويلة في الجو.
مجهزة جيداً
وتعتبر القوات المسلحة المغربية مجهزة بشكل جيداً، في حين أن المصدرين الرئيسيين للأسلحة المغربية يتمثلان في فرنسا، والولايات المتحدة بشكل خاص. ولكن، تظل القوة العسكرية المغربية ضعيفة بالمقارنة مع نظيرتها الجزائرية، حيث تمتلك القوات المسلحة الجزائرية أفضل المعدات العسكرية بالمنطقة، في الوقت الذي يعتبر فيه الجيش الجزائري من أقوى الجيوش في إفريقيا، حسب الصحيفة الروسية.
وتملك الجزائر نظام صواريخ مضاداً للطائرات قادراً على تغطية أكثر من نصف أراضي المغرب.
وعن علاقة الاهتمام المغربي بأنظمة إس-400 الروسية باستحواذ الجزائر على أنظمة "إسكندر".
يقول أندري فرولوف: "تعتبر منظومة إس-400 من أكثر أنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ تطوراً، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن تهتم المغرب بهذه الأنظمة. ولكن، قد لا يضمن ذلك للمغرب مجابهة الجزائر بشكل فعال على مستوى القوة العسكرية.
وتعد منظومة صواريخ "إسكندر" العملياتية-التكتيكية أسلحة هجومية قوية قادرة على حمل رؤوس نووية.
وتستطيع هذه الصواريخ إصابة أهداف صغيرة ومجموعة أهداف متنوعة على مسافات تصل إلى 500 كيلومتر.
وبالنسبة لما ذكرته صحيفة "اليوم 24″، عن اهتمام المغرب بالمقاتلات الروسية، يرى فرولوف أنه "من غير المرجح أن يشتري المغرب طائرات روسية، باستثناء طائرات النقل العسكرية. ولكن المملكة المغربية مهتمة بشكل كبير بشراء طائرات هليكوبتر العسكرية طراز مي-17 ومي-35 أو حتى مجموعة محدودة من طراز مي- 28 الأكثر تطوراً".
وتعلق الصحيفة الروسية قائلة إن مثل هذه التقارير في الصحافة المغربية إلى حد كبير على علاقة بعمليات التسويق لصورة المملكة على المستوى الإقليمي والدولي، كما تندرج في إطار إبراز مدى قدرتها على التعاون مع أحد أهم مصدّري الأسلحة في العالم، أي روسيا. خلافاً لذلك، قد يكون الهدف الرئيسي نقل الوقائع والأخبار عن المفاوضات الجارية فعلياً بين المغرب وروسيا. ولكن الأكثر إثارة للاهتمام في هذا السياق، الإعلان عن احتمال شراء غواصة الديزل الكهربائية الروسية من قِبل الرباط.